الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 278 ] حديث رابع وعشرون من البلاغات

مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عمر أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .

التالي السابق


وهذا الحديث يرويه جماعة ، عن ابن عمر ، منهم : سالم ونافع ، وحبيب بن أبي ثابت ، ومجاهد ، وبلال بن عبد الله بن عمر .

وقد ذكرنا آثار هذا الباب في باب يحيى بن سعيد من هذا الكتاب ، عند قول عائشة : لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء بعده لمنعهن المسجد .

ومضى هنالك من مذاهب العلماء في خروج النساء إلى المسجد ما فيه شفاء ، وإشراف على هذا الشأن في ذلك ، والحمد لله ، ونذكر هاهنا ما حضرنا ذكره من مسند حديث عبد الله بن عمر خاصة في هذا الباب بعون الله .

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .

وحدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا محمد بن عبد السلام ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله قال : [ ص: 279 ] أخبرنا نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .

حدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا شعبة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .

وقرأت على أحمد بن قاسم بن عيسى - رحمه الله - أن عبيد الله بن محمد بن حبابة حدثهم ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبد الله بن الهيثم العبدي ، حدثنا سعيد بن عامر ، وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى أيضا ، قال : حدثنا ابن حبابة ، حدثنا البغوي قال : حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا ابن عباد ، وحدثنا أحمد بن قاسم قال : حدثنا ابن حبابة قال : حدثنا البغوي قال : حدثنا عمي ، قال : حدثنا مسلم قالوا : حدثنا شبعة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا نساءكم المساجد .

قال البغوي : هكذا رواه غير واحد عن شعبة إلا أن نصر بن علي ، حدثنا به ، عن أبيه ، عن شعبة بإسناده ، وزاد فيه بالليل .

[ ص: 280 ] قال أبو عمر :

قد ذكرنا من قال : فيه بالليل في باب يحيى بن سعيد ، والأسانيد التي ذكرنا هناك أرفع ، وكلها ثابتة صحاح ، والحمد لله .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال : حدثنا عبيد الله بن حبابة ، وحدثنا عبد الرحمن بن مروان قال : حدثنا أحمد بن سليمان الجريري قالا : حدثنا البغوي قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا النساء المساجد .

وفي حديث عبد الرحمن بن مروان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله أن يصلين في المساجد .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال : حدثنا إدريس بن علي بن إسحاق ببغداد ، قال : حدثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في جماعة ، فقيل لها لم تخرجين ، وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار ؟ قالت : فما يمنعه أن ينهاني ، قالوا يمنعه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي قال : حدثنا أبو الوليد عبد الملك بن يحيى بن عبد الله بن بكير قال : حدثنا أبي ، قال : حدثني عرابي بن معاوية ، عن عبد الله بن هبيرة [ ص: 281 ] اللبائي قال : حدثني بلال بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر قال يوما : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد .

فقلت : أنا أما أنا فسأمنع أهلي ، فمن شاء فليسرح أهله ، فالتفت إلي فقال : لعنك الله ، لعنك الله ، لعنك الله ، تسمعني أقول إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر ألا يمنعن ، ثم قام مغضبا
.

وروى الثوري ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ائذنوا للنساء في المساجد بالليل ، فقال ابنه ، وذكر معنى حديث بلال .

وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثنا الميمون بن حمزة قال : حدثنا الطحاوي قال : حدثنا المزني قال : حدثنا الشافعي قال : أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري قال : أخبرنا سالم بن عبد الله ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها .

وفي هذا الحديث من الفقه جواز خروج المرأة إلى المسجد لشهود العشاء بالليل ; لأنها زيادة حافظ ، وقد يدخل في ذلك كل صلاة لعموم لفظ الأحاديث في ذلك ، وأن المعنى واحد .

وفي معنى هذا الحديث أيضا الإذن لها في الخروج لكل مباح حسن من زيارة الآباء ، والأمهات ، وذوي المحارم من القرابات ; لأن الخروج لهن إلى المسجد ليس بواجب عليهن ، بل قد جاءت الآثار الثابتة تخبر بأن الصلاة لهن في بيوتهن أفضل ، فصار الإذن لهن إلى المسجد إباحة ، وإذا لم يكن للرجل أن [ ص: 282 ] يمنع امرأته المسجد إذا استأذنته في الخروج إليه ، كان أوكد أن يجب عليه أن لا يمنعها الخروج لزيارة من في زيارته صلة لرحمها ، ولا من شيء لها فيه فضل ، أو إقامة سنة ، وإذا كان ذلك كذلك ، فالإذن ألزم لزوجها إذا استأذنته في الخروج إلى بيت الله الحرام للحج .

وقد أوضحنا ما للعلماء في هذا المعنى في باب سعيد بن أبي سعيد ، والحمد لله .

وقد احتج بعض أصحابنا ، وغيرهم في إيجاب الإذن للمرأة على الزوج في الخروج إلى أداء فريضة الحج بقوله - عز وجل - : ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ) الآية ، وفيما ذكرناه في باب سعيد بن أبي سعيد كفاية ، والحمد لله .




الخدمات العلمية