الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) .

                          [ ص: 402 ] هذا النداء خاتمة البلاغ للناس كافة ، بمقتضى بعثة الرسول العامة ، وهو إجمال لما فصل في هذه السورة وسائر السور المباركة .

                          ( قل ياأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم ) أي قل أيها الرسول مخاطبا لجميع البشر ، من حضر منهم فسمع هذه الدعوة منك ، ومن ستبلغه عنك : قد جاءكم الحق المبين لحقيقة الدين من ربكم ، بوحيه إلى رجل منكم ، وهو الذي افتتحت هذه السورة به ، وقد كان هذا الحق مجهولا خفيا عنكم ، بما جهل بعضكم من دعوة الرسل الأقدمين ، وما حرف بعضكم وجهل وبدل وتأول من كتب الأنبياء المتأخرين ، وفصله لكم هذا الكتاب العربي المبين ( فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ) أي فمن اهتدى بما جاء به هذا الرسول في هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فإنما فائدة اهتدائه لنفسه ; لأنه ينال به السعادة في دنياه ودينه ، دون عمل غيره ، ولا فدائه ولا تأثيره ( ومن ضل فإنما يضل عليها ) أي ومن ضل عن هذا الحق بإعراضه عن آياته في هذا القرآن ، وحججه فيه بآياته في الأنفس والآفاق ، فإنما وبال ضلاله على نفسه بما يفوته من فوائد الاهتداء في الدنيا ، وما يصيبه من العذاب على كفره وجرائمه في الآخرة ( وما أنا عليكم بوكيل ) أي وما أنا بموكل من عند الله بأموركم ، ولا مسيطر عليكم فأكرهكم على الإيمان ، وأمنعكم بقوتي من الكفر والعصيان ، وليس علي هداكم ، ولا أملك نفعكم ولا ضركم ، وإنما أنا بشير لمن اهتدى ، ونذير لمن ضل وغوى ، وقد أعذر من أنذر .

                          ( واتبع ما يوحى إليك ) في هذا القرآن علما وعملا وتعليما ( واصبر ) كما صبر أولو العزم من الرسل على ما يصيبك من الأذى في ذات الله ، والجهاد به في سبيل الله ( حتى يحكم الله ) بينك وبين المكذبين ، وينجز لك ما وعدك ، ( وهو خير الحاكمين ) أي كل من يقع منهم حكم ; لأنه لا يحكم إلا بالحق ، وغيره قد يحكم بالباطل لجهله الحق أو لمخالفته له باتباع الهوى . وقد امتثل - صلى الله عليه وسلم - أمر ربه ، وصبر حتى حكم الله بينه وبين قومه ، وأنجز وعده له ولمن اتبعه من المؤمنين ، فاستخلفهم في الأرض وجعلهم الأئمة الوارثين ، مدة إقامتهم لهذا الدين ، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن قومه ، وجعلنا من المهتدين بما جاء به من كتاب ربه ، وسنته المبينة له ، علما وعملا ، وإرشادا وتعليما ، وصلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن اتبعه وسلم تسليما .

                          ( تم تفسير سورة يونس بفضل الله وتوفيقه تفصيلا )

                          ويليه بيان ما فيها من العقائد والقواعد إجمالا

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية