الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الشرط الثالث : المماثلة في العضو ، فلا يقتص من اليمنى إلا باليمنى ، وكذلك سائر الأعضاء إذا اختلف ; لأنه معنى القصاص لغة . وفي الكتاب : إن [ ص: 338 ] قطع يمينه عمدا ( ولا يمين له ، فديته من ماله دون العاقلة ، فإن كان عديما ) ففي ذمته ، ولا تغلظ عليه الدية في العمد إذا قتلت ; لتعذر القصاص أصالة بخلاف قبولها ، وإن فقأ أعور العين اليمنى عينا يمنى خطأ ، فعلى عاقلته نصف الدية ، أو عمدا ، فعليه ديتها في ماله ، ولا يقتص من اليد أو الرجل اليمنى باليسرى ، ولا اليسرى باليمنى ، ولا العين أو السن بمثلها في صفها وموضعها ، الرباعية بالرباعية ، والعليا بالعليا ، والسفلى بالسفلى ; فإن تعذر رجع للعقل ، وإن فقأت عين أعور العين اليسرى ففيها الدية كاملة ; لأنه لا قصاص في عين الجاني للمخالفة ، وإن فقأ الأعور عين الصحيح التي مثلها باقية للأعور فللصحيح أن يقتص ، وإن أحب أخذ دية عينه ، ثم رجع مالك فقال : له القصاص أو دية عين الأعور : ألف دينار . قال ابن القاسم : والأول أحب إلي . وإن فقأ أعمى عينا فديتها في ماله ; لأن العاقلة لا تحمل عمدا ، وإن فقأ أعور عيني رجل ، فله القصاص في عينه ونصف الدية في العين الأخرى .

                                                                                                                في التنبيهات : قوله : إذا فقأ الأعور مثل عينه من الصحيح ، يخير بين القصاص والدية ، قيل : يخرج منه قول في التخيير في أخذ الدية في جراح العمد ، وهو قول ابن عبد الحكم . والمشهور خلافه . ويتخرج أيضا إجبار القاتل على الدية كقول أشهب ، وقال أبو عمران الفاسي : إذا قال ذلك لعدم التساوي في عين الأعور ; لأنها أزيد من عين الصحيح ; لأنه إن اختار القصاص ففي مثل عينه ، أو الدية فقد دعي إلى صواب . قال : ويلزمه على هذا الإجبار على الدية ، وخرج بعضهم على هذه أن لولي القتيل إذا كان القاتلون جماعة أن يلزم كل واحد فيه دية كاملة عن نفسه كديته ; لأن [ ص: 339 ] له قتله واستحياء من أراد ، وكذلك قاطعو اليد على كل من عفا عنه دية يد نفسه ، قال : وهو لا يلزم أبا عمران ; لأن جماعة الأنفس زيادة على نفس على كل حال . وفي النكت : قوله : إذا فقأ الأعور اليمنى عين رجل فله القصاص بعين ونصف الدية من العين الأخرى . قال أشهب : هذا إذا فقأهما في فور ، أما واحدة بعد واحدة وتقدمت اليمنى ففيها نصف الدية ; لعدم النظير ، وفي الأخرى القصاص ، أو تقدمت اليسرى التي هي باقية ففيها القصاص ، وفي الأخرى دية كاملة . وقال ابن القاسم : خلاف . وقوله في الأعور يفقأ عين صحيح بمثلها باقية ، يخير فلزمه في المسألة المتقدمة إن فقأهما معا أن الحر الصحيح في معنى عين الأعور بعينه ، أو يأخذ منه دية كاملة وخمسمائة في عينه الأخرى التي ليس لها مثل ، وإنما جوابه في المسألة على ما قال مالك في آخر أقواله : أن ليس له إلا القصاص . وبنى أشهب قوله على مذهبه . أما على قول ابن القاسم : إن تقدمت اليمنى التي لا نظير لها في الأعور ، أو تقدمت من اليسرى التي مثلها باقية ، خير في القصاص أو دية كاملة عوض ما بقي ، وله في اليمنى ألف دينار بكل حال ; لأنها عين الأعور . قال ابن يونس : في عين الأعور كمال الدية ; أخذ في الأولى عقل ، أو ذهب بأمر سماوي عند مالك وجميع أصحابه . قاله : عمر ، وعثمان ، وعمر بن عبد العزيز ، وغيرهم رضي الله عنهم .

                                                                                                                في الجواهر : الذكر المقطوع الحشفة ، والحدقة العمياء ، واليد الشلاء ، لا يقتص من صحاح وإن رضي لحق الله تعالى فيها ، وإن ردت السن فنبتت : فله العقل في الخطأ ، والقود في العمد عند ابن القاسم . وقال أشهب : القود [ ص: 340 ] في العمد ، فلا عقل في الخطأ . والفرق : أن المعتبر الجرح حال الجناية في القود ، والعقل يوم النظر ، وإن وقعت سن فأخذ عقلها ثم نبتت لم يلزمه رده ، ولا يقلع سن البالغ بسن الصبي الذي لم يثغر ; لأنه فضلة في الأصل ، وسن البالغ أصل ، وإن عادت الموضحة ملتئمة لم يسقط القصاص ، وتقطع يد الجاني الناقصة أصبعا ، ولا شيء للمجني عليه غير ذلك ، وروي : له الأصبع الناقصة ; فإن نقصت أكثر من أصبع خير عند مالك بين العقل والقصاص ، ومنع عبد الملك القصاص ; لأنه تعذيب . وعلى الأول اختار القصاص لبذله أخذ ما نقص من الأصابع ، قولان لابن القاسم . فإن كانت يد المجني عليه هي الناقصة أصبعا : الإبهام أو غيره ; اقتص عند مالك ، أخذ الذاهب عقلا أم لا . وقال أشهب : ليس له إلا القصاص . قال عبد الملك : له ذلك إلا أن يكون الإبهام فلا قصاص . قال محمد : إن نقصت أصبعين فلا قصاص عند مالك وأصحابه ، وتؤخذ العين السالمة بالضعيفة من أصل الخلقة أو كبر فإن كان من جدري ، أو كوكب ، أو قرحة ، أو رمية ; أخذ فيها عقلا أم لا فلا قود ، وحمله عبد الملك على النقص الفاحش . وفي الكتاب : إذا أصيبت العين خطأ فأخذ عقلها وهو ينظرها ، ثم أصيبت : ففيها القصاص .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إن قطع يمين رجل ، فذهبت يمين القاطع بأمر سماوي ، أو في قطع سرقة ، فلا شيء للمقطوع يده بذهاب المحل ، وإن قطع أقطع الكف اليمنى يمينا من المرفق ، خير المجني عليه في مثل يده ، أو قطع اليد الناقصة من المرفق ، ولا عقل له ، وكذلك من قطعت من يده ثلاثة أصابع فقطع يدا ، فيقتص من اليد الناقصة أو يأخذ العقل .

                                                                                                                قاعدة : الأصل في القصاص : ( التساوي ; لأنه من القص ) ومتى قص شيء من [ ص: 341 ] شيء فهو بينهما سواء من الجانبين فهو شرط إلا أن يؤدي إلى تعطيل القصاص قطعا أو غالبا ، وله مثل : أحدها : التساوي في أجزاء الأعضاء ، وسمك اللحم لو اشترط في الجاني لما حصل إلا نادرا بخلاف الجراحات في الجسد . وثانيها : تساوي الأعضاء . الثالث : العقول . الرابع : الحواس . الخامس : قتل الجماعة بالواحد ، وقطع الأيدي باليد لو اشترط الواحدة ; لتساعد الأعضاء ببعضهم ، وسقط القصاص . السادس : الحياة اليسيرة كالشيخ الكبير مع الشباب ومنفوذ المقاتل على الخلاف . السابع : تفاوت الصنائع والمهارة فيها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية