الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل ولا يصح من رجل تلزمه الصلاة جماعة في مدة اعتكافه إلا في مسجد تقام فيه الجماعة ، ( و هـ ) ، ولو من رجلين معتكفين ، [ ص: 152 ] وإلا صح منه في مسجد غيره ، وفي الانتصار : ولا يصح من الرجل مطلقا إلا في مسجد تقام فيه الجماعة ، قال صاحب المحرر : وهو ظاهر رواية ابن منصور ، وظاهر قول الخرقي ، ووجه المذهب ما رواه سعيد : حدثنا سفيان عن جامع بن أبي راشد عن شقيق بن سلمة عن حذيفة أنه قال لابن مسعود : لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة } أو قال " في مسجد جماعة " حديث صحيح ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت { : السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه ، ولا اعتكاف إلا بصوم ، ولا اعتكاف ، إلا في مسجد جامع } . رواه أبو داود وقال : غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه : قالت : السنة ، يعني أنه موقوف ، وعبد الرحمن مختلف فيه ، وروى له مسلم ، ورواه الدارقطني بإسناد جيد من حديث الزهري عن عروة وابن المسيب عن عائشة في حديث عنها ، وفيه " وإن السنة " وذكره .

                                                                                                          وفي آخره { ويأمر من اعتكف أن يصوم } وقال : يقال : " إن السنة " إلى آخره من قول الزهري ، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم ، ورواه أبو بكر النجاد وغيره عن علي وغيره ، ولأن الجماعة واجبة ، فيحرم تركها . ويفسد الاعتكاف بتكرار الخروج ، وظهر من هذا إن قلنا [ ص: 153 ] لا تجب الجماعة يصح في كل مسجد ، ( و م ش ) ، لظاهر الآية . ولا يصح إلا في مسجد ، إجماعا ، حكاه ابن عبد البر ، وجوزه بعض المالكية وبعض الشافعية في مسجد بيته . ويصح في المساجد الثلاثة ، إجماعا ، حكاه ابن المنذر ، وعن حذيفة وابن المسيب : لا اعتكاف إلا فيها . والله أعلم .

                                                                                                          ورحبة المسجد ليست منه ، في رواية ، وهي ظاهر كلام الخرقي ، وعنه : بلى ، جزم به بعضهم ، وفاقا ، وجزم به القاضي في موضع ، وجمع بين الروايتين في موضع ، فقال : إن كانت محوطة فهي منه ، وإلا فلا ، قال صاحب المحرر : ونقل محمد بن الحكم ما يدل على صحته فقال : إذا سمع أذان العصر في رحبة مسجد الجامع انصرف ولم يصل ، ليس هو بمنزلة المسجد ، حد المسجد الذي جعل عليه حائط وباب . وقدم هذا في المستوعب ، وصححه أيضا وقال : ومن أصحابنا من جعل المسألة على روايتين ( م 2 ) وفي كلام الشافعية : الرحبة المتصلة به منه . والله أعلم . [ ص: 154 ] وظهر المسجد منه ( و هـ ش ) ، ومذهب ( م ) لا يعتكف فيه ولا في بيت قناديله .

                                                                                                          وقال ( م ) أيضا : يكره ، والله أعلم . والمنارة التي للمسجد إن كانت فيه أو بابها فيه فهي منه ، بدليل منع جنب والأشهر عن مالك : يكره ، وقاله الليث . وإن كان بابها خارجا منه بحيث لا يستطرق إليها إلا خارج المسجد أو كانت خارج المسجد والمراد والله أعلم وهي قريبة منه كما جزم [ به ] بعضهم فخرج للأذان بطل اعتكافه ، لأنه مشى حيث يمشي جنب ، لأمر منه بد ، كخروجه إليها لغير الأذان ، وقيل : لا يبطل ، واختاره ابن البنا وصاحب المحرر .

                                                                                                          وقال القاضي : لأنها بيتت له ، فكأنها منه .

                                                                                                          وقال أبو الخطاب : لأنها كالمتصلة [ ص: 155 ] به .

                                                                                                          وقال صاحب المحرر : لأنها بنيت للمسجد لمصلحة الأذان ، فكأنها منه فيما بنيت له ، ولا يلزم منه [ ثبوت ] بقية أحكام المسجد ، لأنها لم تبن له ، وللشافعية وجهان ، وثالث : إن ألف الناس صوت المؤذن جاز ، للحاجة وإلا فلا ، وإن كانت في الرحبة فهي منها [ وإلا فلا ] والله أعلم .

                                                                                                          والأفضل اعتكاف الرجل في الجامع إذا كان اعتكافه تتخلله جمعة ، ولا يلزم وفاقا لأكثر العلماء ، منهم أبو حنيفة وظاهر مذهب الشافعي ، وحكاه في شرح مسلم عن مالك ، لما سبق ، ولأنه خرج لما لا بد منه ، وكأنه استثنى الجمعة ، ولا تتكرر ، بخلاف الجماعة . وفي الانتصار وجه : يلزم ، فإن اعتكف في غيره بطل بخروجه إليها ، ( و م ) ، لأنه أمكنه أن يحترز منه ، كالخارج من صوم الشهرين المتتابعين إلى صوم رمضان ، ونحن نمنعه ، على ما يأتي ، فأما إن عين بنذره المسجد الجامع تعين موضع الجمعة ، وإن عين غير موضعها لم يتعين موضعها ، ولا يصح إن وجبت الجماعة بالاعتكاف فيما تقام فيه الجمعة وحدها ، ويصح عند مالك والشافعي ولمن لا تلزمه الجمعة أن يعتكف في غير الجامع ، وتبطل بخروجه إليها إلا أن يشترطه ، كعيادة المريض .

                                                                                                          [ ص: 153 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 153 ] مسألة 2 ) قوله : ورحبة المسجد ليست منه ، في رواية ، وهي ظاهر كلام الخرقي وعنه : بلى ، جزم به بعضهم ، وجزم به القاضي في موضع ، وجمع بين الروايتين في موضع ، فقال : إن كانت محوطة فهي منه ، وإلا فلا ، قال صاحب المحرر : ونقل محمد بن الحكم ما يدل على صحته فقال : إذا سمع أذان العصر في رحبة مسجد الجامع انصرف ولم يصل ، ليس هو بمنزلة المسجد ، حد المسجد هو الذي عليه حائط وباب ، وقدم هذا في المستوعب وصححه أيضا وقال : ومن أصحابنا من جعل [ ص: 154 ] المسألة على روايتين انتهى كلام المصنف وأطلق الروايتين الأولتين في الفائق والزركشي ، إحداهما ليست من المسجد ، وهو الصحيح ، وهو ظاهر كلام الخرقي وجماعة منهم الشارح وصاحب الرعايتين والحاويين في موضع من كلامهم ، وقدمه المجد في شرحه ، وهو ظاهر ما قدمه الشارح في موضع ، ونص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم ، قال الحارثي في إحياء الموات : اختاره الخرقي وصاحب المحرر ، انتهى والرواية الثانية هي من المسجد ، قال المصنف : جزم به بعضهم ( قلت ) جزم به في الرعاية الصغرى والحاويين في موضع فقالا : ورحبة المسجد كهو ، وجمع القاضي بينهما في موضع من كلامه بما ذكره المصنف وغيره ، وقدمه في المستوعب وقال : ومن أصحابنا من جعل المسألة على روايتين ، والصحيح أنها رواية واحدة على اختلاف الحالين ، انتهى . وقدمه الرعاية الكبرى في موضع ، وكذا في الآداب الكبرى والوسطى .




                                                                                                          الخدمات العلمية