الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ( 91 ) )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : وعلمكم الله جل ثناؤه بالكتاب الذي أنزله إليكم ، ما لم تعلموا أنتم من أخبار من قبلكم ، ومن أنباء من بعدكم ، وما هو كائن في معادكم يوم القيامة " ولا آباؤكم " يقول : ولم يعلمه آباؤكم ، أيها المؤمنون بالله من العرب وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، كالذي : -

13547 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن مجاهد : " وعلمتم " معشر العرب " ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم " . [ ص: 528 ]

13548 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عبد الله بن كثير : أنه سمع مجاهدا يقول في قوله : " وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ، قال : هذه للمسلمين .

وأما قوله : " قل الله " فإنه أمر من الله جل ثناؤه نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يجيب استفهامه هؤلاء المشركين عما أمره باستفهامهم عنه بقوله : " قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا " بقيل الله ، كأمره إياه في موضع آخر في هذه السورة بقوله : ( قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ) ، [ سورة الأنعام : 63 ] . فأمره باستفهام المشركين عن ذلك ، كما أمره باستفهامهم إذ قالوا : " ما أنزل الله على بشر من شيء " عمن أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس . ثم أمره بالإجابة عنه هنالك بقيله : ( قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ) [ سورة الأنعام : 64 ] ، كما أمره بالإجابة هاهنا عن ذلك بقيله : الله أنزله على موسى ، كما : -

13549 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس " قال : الله أنزله .

ولو قيل : معناه : " قل : هو الله " على وجه الأمر من الله له بالخبر عن [ ص: 529 ] ذلك لا على وجه الجواب ، إذ لم يكن قوله : " قل من أنزل الكتاب " مسألة من المشركين لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون قوله : " قل الله " جوابا لهم عن مسألتهم ، وإنما هو أمر من الله لمحمد بمسألة القوم : " من أنزل الكتاب " ؟ فيجب أن يكون الجواب منهم غير الذي قاله ابن عباس من تأويله كان جائزا ، من أجل أنه استفهام ، ولا يكون للاستفهام جواب ، وهو الذي اخترنا من القول في ذلك لما بينا .

وأما قوله : " ثم ذرهم في خوضهم يلعبون " فإنه يقول لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ثم ذر هؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثان والأصنام ، بعد احتجاجك عليهم في قيلهم : " ما أنزل الله على بشر من شيء " بقولك : " من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس " وإجابتك ذلك بأن الذي أنزله : الله الذي أنزل عليك كتابه " في خوضهم " يعني : فيما يخوضون فيه من باطلهم وكفرهم بالله وآياته " يلعبون " يقول : يستهزئون ويسخرون .

وهذا من الله وعيد لهؤلاء المشركين وتهدد لهم : يقول الله جل ثناؤه : ثم دعهم لاعبين ، يا محمد . فإني من وراء ما هم فيه من استهزائهم بآياتي بالمرصاد ، وأذيقهم بأسي ، وأحل بهم إن تمادوا في غيهم سخطي . [ ص: 530 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية