الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ، إنه وتر يحب الوتر .

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث الثاني ، وعن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ، إنه وتر يحب الوتر (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه مسلم من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام ، وأخرجه مسلم أيضا من طريق أيوب السختياني ، والترمذي من طريق هشام بن حسان كلاهما عن محمد بن سيرين ، وليس فيه أنه وتر يحب الوتر ، وأخرجه الشيخان ، والترمذي من طريق سفيان بن عيينة ، والبخاري ، والترمذي ، والنسائي من طريق شعيب بن أبي حمزة كلاهما عن أبي الزناد ، وأخرجه ابن ماجه من طريق موسى بن عقبة كلاهما عن الأعرج ثلاثتهم عن أبي هريرة ، ولفظ البخاري من طريق ابن عيينة لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة ، وفي لفظ لمسلم من طريقه ومن حفظها ، وفي لفظ له أحصاها ، وساقها الترمذي من [ ص: 148 ] طريق شعيب بن أبي حمزة فقال هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيب الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرءوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور وقال الترمذي هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح أي عن الوليد بن مسلم ثنا شعيب عن أبي حمزة قال ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن أبي صالح وهو ثقة عند أهل الحديث وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا نعرف فيه كثير شيء من الروايات ذكر الأسماء الحسنى إلا في هذا الحديث ، وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر فيه الأسماء ، وليس له إسناد صحيح ثم قال ، ورواه أبو اليمان عن شعيب عن أبي حمزة عن أبي الزناد ، ولم يذكر فيه الأسماء (قلت) وأشار بذلك إلى رواية البخاري ، وكذلك لم يذكر الأسماء في رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب ، وساقها ابن ماجه من طريق موسى بن عقبة عن الأعرج ، ولفظه من حفظها دخل الجنة الله الواحد الصمد فذكرها مع تقديم وتأخير ، وذكر البار بدل البر ، والراشد بدل الرشيد ، وزاد ذكر الجميل ، والرب ، والمبين ، والبرهان ، والشديد ، والواقي ، وذي القوة ، والقائم ، والدائم ، والحافظ ، والناظر ، والسامع ، والأبد ، والعالم ، والصادق ، والمنير ، والتام ، والقديم ، والوتر ، والأحد ، وزاد على العدة أربعة أسماء فإنها عنده مائة وثلاثة إلا أن يجعل قوله ذو القوة المتين اسما واحدا ، ويجعل قوله الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد تابعا لقوله الصمد [ ص: 149 ] فيكون مائة وأحدا ، وأسقط بعض ما ذكره الترمذي وكرر ذكر الصمد ذكره أولا وآخرا فهي حينئذ عنده مائة وقال في آخره قال زهير أي وهو رواية عن موسى بن عقبة فبلغنا عن غير واحد من أهل العلم أن أولها يفتح بقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى وذكر النووي في الأذكار رواية الترمذي وحكم عليها بالحسن وذكر أنه روي المقيت بالقاف والتاء المثناة آخر والمغيث بالغين المعجمة والثاء المثلثة آخره وروي القريب بدل الرقيب وروي المبين بالموحدة بدل المتين بالمثناة [ من ] فوق قال والمشهور المثناة وقال ابن حزم جاءت أحاديث في إحصائها مضطربة لا يصح منها شيء أصلا (الثانية) قوله إن لله تسعة وتسعين اسما قال النووي واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء ولهذا جاء في الحديث الآخر أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك قال وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أنه قال : لله تعالى ألف اسم قال ابن العربي وهذا قليل فيها (قلت) تتمة كلام ابن العربي ولو كان البحر مدادا لنفد البحر قبل أن تنفد أسماء ربي ، ولو جئنا بسبعة أبحر مثله مددا قال أبو العباس القرطبي ، وهذا كقول القائل لزيد مائة دينار أعدها للصدقة لا يفهم منه أنه ليس له مال غير المائة دينار ، وإنما يفهم أن هذه المائة هي التي أعدها للصدقة لا غيرها انتهى .

                                                            وخالف في ذلك ابن حزم الظاهري فقال أن أسماء الله تعالى لا تزيد على تسعة وتسعين شيئا لقوله عليه الصلاة والسلام مائة إلا واحدا فنفى الزيادة وأبطلها لكن يخبر عنه بما يفعل تعالى (قلت) قوله مائة إلا واحدا مجرد تأكيد لقوله تسعة وتسعين لجواز اشتباهها في الخط بسبعة وسبعين ، ولم يفد شيئا زائدا على ما تقدم حتى [ ص: 150 ] يقول إن هذا اللفظ فيه نفي الزيادة وإبطالها ، وقد تقدم أن المقصود الإخبار بأن من أحصاها دخل الجنة ، وما قبله موطئ له ، والله أعلم .

                                                            (الثالثة) قال القاضي عياض تعيين هذه الأسماء لم يخرج في الصحيحين ، وخرجه الترمذي ، وغيره ، وفيها اختلاف ، ثبتت أسماء في رواية ، وفي أخرى أسماء أخر تخالفها ، وقد اعتنى بعض أهل العلم بتخريج ما منها في كتاب الله مفردا غير مضاف ، ولا مشتق من غيره كقادر ، وقدير ، ومقتدر ، وملك الناس ، ومالك ، وعليم ، وعالم الغيب فلم تبلغ هذا العدد ، واعتنى آخرون بذلك فحذفوا التكرار ، ولم يحذفوا الإضافات فوجدوها على ما قالوا تسعة وتسعين في القرآن كما ذكر في الحديث لكنه على الجملة لا على تفسيرها في الحديث ، واعتنى آخرون بجمعها مضافة ، وغير مضافة ، ومشتقة ، وغير مشتقة ، وما وقع منها في هذا الحديث على اختلافها ، وفي غيره من الأحاديث ، وما أجمع عليه أهل العلم على إطلاقه فبلغها أضعاف هذا العدد المذكور في الحديث ، وقيل إن هذه التسعة والتسعين مخفية في جملة أسماء الله تعالى كالاسم الأعظم فيها ، وليلة القدر في السنة انتهى .

                                                            ولما ذكر ابن حزم أن الأحاديث بإحصائها مضطربة لم تصح قال : وإنما يؤخذ من نص القرآن ، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وقد بلغ إحصاؤها إلى ما يذكره ، وهي الله الرحمن الرحيم العليم الحكيم الكريم العظيم الحليم القيوم [ ذو ] الإكرام السلام التواب الرب الوهاب الإله القريب السميع المجيب الواسع العزيز الشاكر القاهر الآخر الظاهر الكبير الخبير القدير البصير الغفور الشكور الغفار القهار الجبار المتكبر المصور البر المقتدر البارئ العلي الغني الولي القوي الحي الحميد المجيد الودود الصمد الأحد الواحد الأول الأعلى المتعالي الخالق الخلاق الرزاق الحق اللطيف رءوف عفو الفتاح المتين المبين المؤمن المهيمن الباطن القدوس المالك مليك الأكبر الأعز السيد سبوح وتر حنان جميل رفيق الميسر القابض الباسط الشافي المعطي المقدم المؤخر الدهر هذا آخر ما ذكره ، وجملته أربعة وثمانون .



                                                            (الرابعة) أورده البخاري في كتاب الشروط وبوب عليه ما يجوز من الاشتراط ، والثنيا في الإقرار ، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم ، وإذا قال مائة [ ص: 151 ] إلا واحدة أو ثنتين ، قال : وقال ابن عون عن ابن سيرين قال رجل لكريه أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه .

                                                            ، وقال أيوب عن ابن سيرين إن رجلا باع طعاما ، وقال إن لم آتك الأربعاء فليس بيني ، وبينك بيع فلم يجئ فقال شريح للمشتري أنت أخلفت فقضى عليه (قلت) وكأن البخاري قصد الاستدلال به على أن الكلام إنما يتم بآخره فإذا كان فيه استثناء أو شرط عمل به ، وأخذ ذلك من قوله مائة إلا واحدا ، وهو في الاستثناء مسلم فلو قال في البيع بعت من هذه الصبرة مائة صاع إلا صاعا صح ، وعمل به ، وكان بائعا بتسعة وتسعين ، ولا يؤخذ بأول كلامه ، ويلغي آخره لكن في استنباط ذلك من هذا الحديث نظر لأن قوله مائة إلا واحدا إنما ذكر تأكيدا لما تقدم فلم يستفد به فائدة مستأنفة حتى يستنبط منه هذا الحكم لحصول هذا المقصود بقوله تسعة وتسعين اسما ، نعم كان يصح إيراد هذا الكلام الثاني منقطعا عن الأول ، وحينئذ فيحصل به هذا الغرض .

                                                            وأما الشروط فليست صورة الحديث ، وللناس خلاف كثير في تصحيح الشروط ، وإبطالها والتفصيل فيها ، وذلك مقرر في مواضعه من كتب الفقه وغيرها ، والله أعلم .



                                                            (الخامسة) قال أبو العباس القشيري فيه دليل على أن الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره كانت الأسماء لغيره كقوله تعالى ولله الأسماء الحسنى وقال أبو العباس القرطبي .

                                                            الاسم في العرف العام هو الكلمة الدالة على أمر مفرد . وبهذا الاعتبار لا فرق بين الاسم والفعل والحرف إذ كل واحد منهما يصدق عليه ذلك الحد فلا فعل ولا حرف في العرف العام ، وإنما ذلك اصطلاح النحويين والمنطقيين ، وليس ذلك الآن من غرضنا

                                                            وإذا فهمت هذا فهمت غلط من قال إن الاسم هو المسمى حقيقة كما قالته طائفة من جهال الحشوية فإنهم صرحوا بذلك ، واعتقدوه حتى ألزموا على ذلك أن من قال (سم) مات .

                                                            ومن قال (نار) احترق ، وهؤلاء أخس من أن يشتغل بمخاطبتهم ، وأما من قال من النحويين ، ومن المتكلمين الاسم هو المسمى فلم يريدوا ذلك ، وإنما أرادوا أنه هو من حيث إنه لا يدل إلا عليه ، ولا يقيد إلا هو فإن كان ذلك الاسم من الأسماء الدالة [ ص: 152 ] على ذات المسمى دل عليها من غير مزيد أمر آخر ، وإن كان من الأسماء الدالة على معنى زائد دل على تلك الذات منسوبة إلى ذلك الزائد خاصة دون غيره .

                                                            وبيان ذلك أنك إذا قلت زيد مثلا فهو يدل على ذات متشخصة في الوجود من غير زيادة ، ولا نقصان فلو قلت مثلا (العالم) دل هذا على تلك الذات منسوبة إلى العلم ، وكذلك لو قلت الغني دل ذلك على تلك الذات مع إضافة مال إليها ، ومن هنا صح عقلا أن تكثر الأسماء المختلفة على ذات واحدة لا يوجب تعددا فيها ولا تكثيرا ، وقد غمض فهم هذا مع وضوحه على بعض أئمة المتكلمين ، وفر منه هربا من لزوم تعدد في ذلك الإله حتى تأول هذا الحديث بأن قال إن الاسم فيه يراد به التسمية ، ورأى أن هذا يخلصه من التكثير .

                                                            وهذا فرار من غير مفر إلى غير مفر ، وذلك أن التسمية إنما هي وضع الاسم أو ذكر الاسم فهي نسبة الاسم إلى مسماه فإذا قلنا إن لله تسعة وتسعين تسمية اقتضى ذلك أن يكون له تسعة وتسعون اسما ينسبها كلها إليه فبقي الإلزام بعد ذلك التكلف والتعسف ثم قال : وقد يقال الاسم هو المسمى ، ويعني به أن هذه الكلمة التي هي الاسم قد تطلق ، ويراد بها المسمى كما قيل ذلك في قوله تعالى سبح اسم ربك الأعلى أي سبح ربك فأريد بالاسم المسمى انتهى .

                                                            ووجدت لشيخنا الإمام بهاء الدين أحمد بن شيخ الإسلام تقي الدين السبكي في شرحه على مختصر ابن الحاجب في هذه المسألة تحقيقا حسنا فقال وجه التحقيق فيها على ما تلقيناه من أفواه مشايخنا أن يقال إذا سميت شيئا باسم فالنظر في ثلاثة أشياء ذلك الاسم .

                                                            وهو اللفظ ومعناه قبل التسمية ، ومعناه بعد التسمية ، وهو الذات التي أطلق اللفظ عليها ، والذات واللفظ متغايران قطعا ، والنحاة إنما يطلقون على اللفظ لأنهم إنما يتكلمون في الألفاظ ، وهو غير المسمى قطعا عند الفريقين ، والذات هي المسمى عند الفريقين ، وليس هو الاسم قطعا ، والخلاف في الأمر الثالث ، وهو معنى اللفظ قبل التلقيب فعلى قواعد المتكلمين يطلقون الاسم عليه ، ويختلفون في أنه الثالث أولا ، والخلاف عندهم حينئذ في الاسم المعنوي هل هو المسمى أولا ، لا في الاسم اللفظي .

                                                            وأما النحاة فلا يطلقون الاسم على غير اللفظ لأن صناعتهم إنما تنظر في الألفاظ [ ص: 153 ] والمتكلم لا ينازع في ذلك ، ولا يمنع هذا الإطلاق لأنه إطلاق اسم المدلول على الدال ، ويزيد شيئا آخر دعاه علم الكلام إلى حقيقته في مسألة الأسماء والصفات ، وإطلاقها على الباري تعالى على ما هو مقرر في علم أصول الدين ، ومثال ذلك إذا قلت عبد الله أنف الناقة فالنحاة يريدون باللقب لفظ أنف الناقة ، والمتكلمون يريدون معناه ، وهو ما يفهم منه من مدح أو ذم .

                                                            وقول النحاة إن اللقب ، ويعنون به اللفظ مشعر بضعة أو رفعة لا ينافيه لأن اللفظ يشعر بدلالته على المعنى ، والمعنى في الحقيقة هو المقتضي للضعة أو الرفعة ، وذات عبد الله هي الملقب عند الفريقين فهذا تنقيح محل الخلاف في هذه المسألة فليتأمل فإنه تنقيح حسن ، وبه يظهر أن الخلاف في أن الاسم المسمى أو غيره خاص بأسماء الأعلام المشتقة لا في كل اسم ، والمقصود به إنما هو المسألة المتعلقة بأصول الدين كما أشرنا إليه انتهى .



                                                            (السادسة) قال أبو العباس القرطبي بعد كلامه المتقدم إذا تقرر هذا فافهم أن أسماء الحق سبحانه وتعالى وإن تعددت فلا تعدد في ذاته ، ولا تركيب لا عقليا كتركيب المحدودات ، ولا محسوسا كتركيب الجسمانيات ، وإنما تعددت أسماؤه تعالى بحسب الاعتبارات الزائدة على الذات ثم هذه الأسماء من جهة دلالتها على أربعة أضرب (فمنها) ما يدل على الذات مجردة كاسمه (الله) تعالى على قول من يقول أنه علم غير مشتق ، وهو الخليل ، وغيره لأنه يدل على الموجود الحق الموصوف بصفات الجلال والكمال دلالة مطلقة غير مقيدة بقيد ، ولأنه أشهر أسمائه حتى يعرف كل أسمائه به فيقال الرحمن اسم الله ، ولا يقال الله اسم الرحمن لأن العرب عاملته معاملة الأسماء الأعلام في النداء فجمعوا بينه وبين ياء النداء ، ولو كان مشتقا لكانت لامه زائدة ، وحينئذ لا يجمع بينه وبينها في النداء كما لا يقال يا الحارث ، ولا يا العباس (ومنها) ما يدل على صفات البارئ تعالى الثابتة له كالعالم ، والقادر ، والسميع ، والبصير (ومنها) ما يدل على إضافة أمر ما له كالخالق ، والرازق (ومنها) ما يدل على سلب شيء عنه كالقدوس والسلام ، وهذه الأقسام الأربعة لازمة منحصرة دائرة بين النفي والإثبات فاختبرها تجدها كذلك انتهى .



                                                            (السابعة) وفيه أن أسماء الله تعالى توقيفية [ ص: 154 ] لا يجوز أن يسمى إلا بما سمى به نفسه ، وإليه ذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري ، وقيل يجوز تسميته بما يليق به ، وقيل إن ورد الفعل بذلك ، ولم يوهم نقصا ، والخلاف في ذلك مقرر في علم أصول الدين .



                                                            (الثامنة) فيه جواز الحلف بجميع أسماء الله تعالى المتقدم ذكرها لقيام الدليل على أنها أسماؤه ، واندراجها في قوله فليحلف بالله فإنه ليس المراد هذا اللفظ بخصوصه بل كل ما أطلق عليه تعالى من أسمائه الحسنى وصفاته العليا كما تقدم بيانه ، ولهذا المعنى أورد الشيخ رحمه الله هذا الحديث في كتاب الأيمان ، وكذا استدل به على ذلك ابن حزم ، وهو ظاهر كلام الحنفية والمالكية ، وهو وجه عند الشافعية حكاه ابن كج أن الحلف بأي اسم كان من أسماء الله تعالى التسعة والتسعين صريح ، ومقابله وجه غريب حكاه ابن كج أيضا أنه ليس في الأسماء صريح في الحلف إلا (الله) ، والمشهور عندهم انقسام الأسماء إلى ثلاثة أقسام ، وكذا قال الحنابلة :

                                                            (أحدها) ما يختص به تعالى ، ولا يطلق في حق غيره كالله والرحمن ورب العالمين ، ونحوها فتنعقد بها اليمين ، ولو أطلق أو نوى غير الله تعالى (ثانيها) ما يطلق عليه ، وعلى غيره لكن الغالب إطلاقه عليه ، وأنه بقيد في حق غيره بضرب من التقييد كالجبار ، والحق ، والرب ، ونحوها فالحلف به يمين ، ولو أطلق فإن نوى به غير الله تعالى فليس بيمين (ثالثها) ما يطلق في حق الله تعالى ، وفي حق غيره ، ولا يغلب استعماله في أحد الطرفين كالحي ، والموجود ، والمؤمن ، ونحوها فإن نوى به غير الله تعالى أو أطلق فليس بيمين ، وإن نوى الله تعالى فوجهان صحح النووي أنه يمين ، وكذا في المحرر للرافعي لكن صحح في شرحيه على الوجيز الكبير ، والصغير أنه لا يكون يمينا ، وصحح ابن تيمية في المحرر الأول ، وقال القاضي من الحنابلة بالثاني .



                                                            (التاسعة) قوله من أحصاها دخل الجنة قال الخطابي الإحصاء في هذا يحتمل وجوها (أظهرها) العد لها حتى يستوفيها يريد أنه لا يقتصر على بعضها لكن يدعو الله بها كلها ، ويثني عليه بجميعها فيستوجب الموعود عليها من الثواب (والوجه الثاني) أن معنى الإحصاء فيها الإطاقة قال الله تعالى علم أن لن تحصوه وقال النبي صلى الله عليه وسلم استقيموا ولن تحصوا أي لن تطيقوا أن تبلغوا كنه الاستقامة ، ولكن اجتهدوا في ذلك مبلغ الوسع والطاقة ، والمعنى [ ص: 155 ] أن من أطلق القيام نحو هذه الأسماء والعمل بمقتضاها ، وهو أن يعتبر معانيها فيلزم نفسه بواجبها فإذا قال الرزاق وثق بالرزق ، وكذا في سائر الأسماء (والثالث) أن معناه من عقلها ، وأحاط علما بمعانيها من قول العرب فلان ذو حصاة أي ذو عقل ومعرفة .

                                                            وقال أبو العباس القرطبي بعد ذكره معنى هذا الكلام ، والمرجو من كرم الله تعالى . أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة لكن المرتبة الأولى رتبة أصحاب اليمين ، والثانية وهي التي في كلام الخطابي ثالثا للسابقين ، والثالثة وهي التي في كلام الخطابي (ثانيا) للصديقين .

                                                            وقال النووي قال البخاري ، وغيره من المحققين معناه حفظها ، وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى من حفظها ثم قال : وقال بعضهم المراد حفظ القرآن وتلاوته كله لأنه مستوف لها قال : وهذا ضعيف ، والصحيح الأول ، وحكاه في الأذكار عن الأكثرين .

                                                            (العاشرة) قوله إنه وتر بكسر الواو وفتحها لغتان قرئ بهما في المشهور ، والوتر الفرد ، ومعناه في حق الله الواحد الذي لا شريك له ، ولا نظير فهو واحد في ذاته فلا انقسام له ، وواحد في إلهيته فلا نظير له ، وواحد في ملكه وملكه فلا شريك له ، وقوله يحب الوتر قال القاضي عياض قيل معناه فضل الوتر في العدد على الشفع في أسمائه ليكون أدل على الوحدانية والتفرد [ وقيل ذلك راجع إلى صفة من يعبد الله ] على سبيل الإخلاص لا يشرك في عبادته أحدا ، ويحتمل أن يكون معناه أنه يأمر ، ويفضل الوتر في الأعمال ، وكثير من الطاعات كما جعل الصلوات خمسا وترا ، وشرعت أعداد الطهارات ، والاستطابة ، وأكفان الميت ، ونصب الزكاة من الخمس أواق ، والخمسة أوسق ، ونصاب الإبل ، وأكثر نصاب الغنم ، وأول نصاب البقر وترا في العقود ، وخلقا كثيرا من مخلوقاته على عدد الوتر من السموات والأرض والبحور ، وعدد الأيام في الجمعة ، ونحو ذلك انتهى .

                                                            وصدر النووي كلامه بهذا الأخير ، واقتضى كلامه ترجيحه ، وكذا رجحه أبو العباس القرطبي فقال ظاهره أن الوتر هنا للجنس إذ لا معهود جرى ذكره يحمل عليه فيكون معناه على هذا أنه يحب كل وتر شرعه وأمر به ، ومعنى محبته له أنه أمر به ، وأثاب عليه ، ويصلح ذلك [ ص: 156 ] للعموم لما خلقه وترا من مخلوقاته ، ومعنى محبته له أنه خصصه بذلك لحكمة علمها ، وأمور قدرها قال : ويحتمل أن يريد بذلك واحدا بعينه فقيل هو صلاة الوتر ، وقيل يوم الجمعة ، وقيل يوم عرفة ، وقيل آدم ، وقيل غير ذلك قال : وهذه الأقوال متكافئة ، وأشبه ما تقدم حمله على العموم ، وقد ظهر لي وجه ، وأرجو أن يكون أولى بالمقصود ، وهو أن الوتر يراد به التوحيد فيكون معناه أن الله تعالى في ذاته وأفعاله وكماله واحد ، ويحب التوحيد أي أن يوحد ، ويعتقد انفراده به دون خلقه فيلتئم أول الحديث وآخره وظاهره وباطنه انتهى .




                                                            الخدمات العلمية