الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 469 ] بشر بن الحارث

                                                                                      ابن عبد الرحمن بن عطاء ، الإمام العالم المحدث الزاهد الرباني القدوة ، شيخ الإسلام أبو نصر المروزي ، ثم البغدادي ، المشهور بالحافي ، ابن عم المحدث علي بن خشرم

                                                                                      ولد سنة اثنتين وخمسين ومائة .

                                                                                      وارتحل في العلم ، فأخذ عن : مالك وشريك ، وحماد بن زيد ، وإبراهيم بن سعد ، وأبي الأحوص ، وخالد بن عبد الله الطحان ، وفضيل بن عياض ، والمعافى بن عمران ، وابن المبارك ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وعدة .

                                                                                      [ ص: 470 ] حدث عنه : أحمد الدورقي ، ومحمد بن يوسف الجوهري ، ومحمد بن مثنى السمسار لا العنزي ، وسري السقطي ، وعمر بن موسى الجلاء ، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري ، وخلق سواهم .

                                                                                      وقل ما روى من المسندات . كان يزم نفسه ، فقد كان رأسا في الورع والإخلاص ، ثم إنه دفن كتبه .

                                                                                      أخبرنا المؤمل بن محمد إذنا ، أخبرنا زيد بن الحسن ، أخبرنا أبو منصور الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرني أبو سعد الماليني ، أخبرنا عبد العزيز بن جعفر ، حدثنا جعفر بن محمد الصندلي ، حدثنا محمد بن المثنى السمسار ، سمعت بشر بن الحارث يقول : سمعت العوفي ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتما ، فلبسه ، ثم ألقاه العوفي : هو إبراهيم بن سعد . روي عن بشر أنه قيل له : ألا تحدث ؟ قال : أنا أشتهي أن أحدث ، وإذا اشتهيت شيئا ، تركته .

                                                                                      وقال إسحاق الحربي : سمعت بشر بن الحارث يقول : ليس الحديث من عدة الموت . فقلت له : قد خرجت إلى أبي نعيم فقال : أتوب إلى الله .

                                                                                      وعن أيوب العطار : أنه سمع بشرا يقول : حدثنا حماد بن زيد . . ثم

                                                                                      [ ص: 471 ] قال : أستغفر الله ، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء .

                                                                                      قال أبو بكر المروزى : سمعت بشرا يقول : الجوع يصفي الفؤاد ، ويميت الهوى ، ويورث العلم الدقيق .

                                                                                      وقال أبو بكر بن عثمان : سمعت بشر بن الحارث يقول : إني لأشتهي شواء منذ أربعين سنة ، ما صفا لي درهمه .

                                                                                      قال محمد بن عبد الوهاب الفراء : حدثنا علي بن عثام ، قال : أقام بشر بن الحارث بعبادان يشرب ماء البحر ، ولا يشرب من حياض السلطان ، حتى أضر بجوفه ، ورجع إلى أخته وجعا ، وكان يعمل المغازل ويبيعها ، فذاك كسبه .

                                                                                      قال الحافظ موسى بن هارون : حدثنا محمد بن نعيم ، قال : رأيتهم جاءوا إلى بشر ، فقال : يا أهل الحديث ، علمتم أنه يجب عليكم فيه زكاة ، كما يجب على من ملك مائتي درهم خمسة .

                                                                                      قلت : هذا على المبالغة ، وإلا فإن كانت الأحاديث في الواجبات فهي موجبة ، وإن كانت في فضائل الأعمال فهي فاضلة ، لكن يتأكد العمل بها على المحدث .

                                                                                      قال أبو نشيط : نهاني بشر عن الحديث وأهله .

                                                                                      وقال : أتيت يحيى القطان ، فبلغني أنه قال : أحب هذا الفتى لطلبه الحديث .

                                                                                      [ ص: 472 ] وقال يعقوب بن بختان : سمعت بشر بن الحارث يقول : لا أعلم أفضل من طلب الحديث لمن اتقى الله ، وحسنت نيته فيه ، وأما أنا ، فأستغفر الله من طلبه ، ومن كل خطوة خطوت فيه .

                                                                                      قيل : كان بشر يلحن ، ولا يدري العربية .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : لو كان بشر تزوج ، لتم أمره .

                                                                                      قال إبراهيم الحربي : ما أخرجت بغداد أتم عقلا من بشر ، ولا أحفظ للسانه ، كان في كل شعرة منه عقل ، وطئ الناس عقبه خمسين سنة ، ما عرف له غيبة لمسلم ، ما رأيت أفضل منه .

                                                                                      وعن بشر قال : المتقلب في جوعه كالمتشحط في دمه في سبيل الله .

                                                                                      وعنه : شاطر سخي أحب إلى الله من صوفي بخيل .

                                                                                      وعنه : أمس قد مات ، واليوم في السياق ، وغدا لم يولد .

                                                                                      لا يفلح من ألف أفخاذ النساء .

                                                                                      إذا أعجبك الكلام ، فاصمت ، وإذا أعجبك الصمت ، فتكلم .

                                                                                      [ ص: 473 ] وقيل : سمعه رجل يقول : اللهم إنك تعلم أن الذل أحب إلي من العز ، وأن الفقر أحب إلي من الغنى ، وأن الموت أحب إلي من البقاء .

                                                                                      وعنه قال : قد يكون الرجل مرائيا بعد موته ، يحب أن يكثر الخلق في جنازته .

                                                                                      لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سدا .

                                                                                      أخبرنا أبو محمد بن علوان ، أخبرنا الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد سنة إحدى عشرة وستمائة ، قال : حدثني ابني أبو المجد عيسى ، أخبرنا أبو طاهر بن المعطوش ، أخبرنا أبو الغنائم محمد بن محمد ، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، حدثني حمزة بن الحسين البزاز ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، حدثني حمزة بن دهقان ، قال : قلت لبشر بن الحارث : أحب أن أخلو معك . قال : إذا شئت فيكون يوما . فرأيته قد دخل قبة ، فصلى فيها أربع ركعات لا أحسن أصلي مثلها ، فسمعته يقول في سجوده : اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف ، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى ، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لا أوثر على حبك شيئا . فلما سمعته ، أخذني الشهيق والبكاء ، فقال : اللهم أنت تعلم أني لو أعلم أن هذا هاهنا ، لم أتكلم .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر

                                                                                      [ ص: 474 ] قال : قال رجل لبشر وأنا حاضر : إن هذا الرجل - يعني أحمد بن حنبل - قيل له : أليس الله قديما وكل شيء دونه مخلوق ؟ قال : فما ترك بشر الرجل يتكلم حتى قال : لا ، كل شيء مخلوق إلا القرآن .

                                                                                      قال أحمد بن بشر المرثدي : حدثنا إبراهيم بن هاشم ، قال : دفنا لبشر بن الحارث ثمانية عشر ما بين قمطر إلى قوصرة - يعني من الحديث .

                                                                                      وقيل لأحمد : مات بشر . قال : مات والله وما له نظير ، إلا عامر بن عبد قيس ، فإن عامرا مات ولم يترك شيئا . ثم قال أحمد : لو تزوج ! .

                                                                                      قال ابن أبي داود : قلت لعلي بن خشرم لما أخبرني أن سماعه وسماع بشر من عيسى بن يونس واحد ، قلت له : فأين حديث أم زرع ؟ قال : سماعي معه ، وكنت كتبت إليه أن يوجه به إلي ، فكتب إلي : هل عملت بما عندك حتى تطلب ما ليس عندك ؟ ثم قال علي : ولد بشر في هذه القرية ، وكان في أول أمره يتفتى ، وقد جرح .

                                                                                      قال حسن المسوحي ، عن بشر : أتيت باب المعافى ، فدققت ، فقيل : من ؟ قلت : بشر الحافي . فقالت جويرية : لو اشتريت نعلا بدانقين ذهب عنك اسم الحافي .

                                                                                      وقال السلمي : كان بشر من أولاد الرؤساء ، فصحب الفضيل ، [ ص: 475 ] سألت الدارقطني عنه ، فقال : زاهد جبل ثقة ، ليس يروي إلا حديثا صحيحا .

                                                                                      قال جعفر النهرواني : سمعت بشر بن الحارث يقول : إن عوج بن عنق كان يخوض البحر ، ويحتطب الساج ، كان أول من دل على الساج ، وكان يأخذ من البحر حوتا ، فيشويه في عين الشمس .

                                                                                      قال إبراهيم الحربي : لو قسم عقل بشر على أهل بغداد ، صاروا عقلاء .

                                                                                      قلت : قد روى لبشر أبو عبد الرحمن النسائي في " مسند علي " .

                                                                                      قيل : جاء رجل إلى بشر ، فقبله ، وجعل يقول : يا سيدي أبا نصر . فلما ذهب ، قال بشر لأصحابه : رجل أحب رجلا على خير توهمه ، لعل المحب قد نجا ، والمحبوب لا يدرى ما حاله .

                                                                                      مات بشر الحافي - رحمة الله عليه - يوم الجمعة في شهر ربيع الأول [ ص: 476 ] سنة سبع وعشرين ومائتين قبل المعتصم الخليفة بستة أيام ، وعاش خمسا وسبعين سنة .

                                                                                      وقد أفرد ابن الجوزي مناقبه في كتاب .

                                                                                      وفيها مات سهل بن بكار البصري وأبو الوليد الطيالسي الحافظ وسعيد بن منصور صاحب " السنن " ، وإسماعيل بن أبي أويس المدني ومحمد بن الصباح الدولابي والهيثم بن خارجة ، والعلاء بن عمرو الحنفي ، ومحمد بن عبد الواهب الحارثي ، وأبو الأحوص محمد بن حيان البغوي .

                                                                                      قال محمد بن المثنى ، عن بشر : ليس أحد يحب الدنيا إلا لم يحب الموت ، ومن زهد فيها ، أحب لقاء مولاه .

                                                                                      وعنه : ما اتقى الله من أحب الشهرة .

                                                                                      وعنه قال : لا تعمل لتذكر ، اكتم الحسنة كما تكتم السيئة .

                                                                                      أبو العباس السراج : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا بشر بن الحارث ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أخيه ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كنت لك كأبي زرع لأم [ ص: 477 ] زرع . ثم أنشأ يحدث حديث أم زرع . قالت : اجتمع إحدى عشرة نسوة .

                                                                                      القطيعي : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : وجدت في كتاب بشر بن الحارث بخطه ، عن وكيع ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن عبد الله بن شقيق ، أن أبا ذر - رضي الله عنه - دعوه إلى طعام ، فقال : إني صائم . فرئي من آخر النهار يأكل ، فقيل له ، فقال : إني أصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، فذلك صيام الدهر .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية