الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام قد تضمنت هذه الآية تحريم القتال في الشهر الحرام ، ونظيره في الدلالة على مثله قوله : الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص وقوله : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم

وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال : حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج عن الليث بن سعد قال : حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى ، فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ .

وقد اختلف في نسخ ذلك ، فقالت طائفة : حكمه باق لم ينسخ ؛ وممن قال ذلك عطاء بن أبي رباح ، حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما لهم إن ذلك لم يكن يحل لهم أن يغزوا في الشهر الحرام ثم غزوهم بعد فيه . قال : فحلف لي ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا ، قال : وما نسخت .

وروى سليمان بن يسار وسعيد بن المسيب : " أن القتال جائز في الشهر الحرام " وهو قول فقهاء الأمصار . والأول منسوخ بقوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية ؛ لأنها نزلت بعد حظر القتال في الشهر الحرام .

وقد اختلف في السائلين عن ذلك من هم ، فقال الحسن وغيره : " إن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك على جهة العيب للمسلمين باستحلالهم القتال في الشهر الحرام " . وقال آخرون : " المسلمون سألوا [ ص: 402 ] عن ذلك ليعلموا كيف الحكم فيه " .

وقيل : إنها نزلت على سبب وهو قتل واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي مشركا ، فقال المشركون : قد استحل محمد القتال في الشهر الحرام ، وقد كان أهل الجاهلية يعتقدون تحريم القتال في هذه الأشهر ، فأعلمهم الله تعالى بقاء حظر القتال في الشهر الحرام وأرى المشركين مناقضة بإقامتهم على الكفر مع استعظامهم القتل في الشهر الحرام ، مع أن الكفر أعظم الإجرام ومع إخراج أهل المسجد الحرام منه وهم المؤمنون ؛ لأنهم أولى بالمسجد الحرام من الكفار لقوله : إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر فأعلمهم الله أن الكفر بالله وبالمسجد الحرام ، وهو أن الله جعل المسجد للمؤمنين ولعبادتهم إياه فيه ، فجعلوه لأوثانهم ومنعوا المسلمين منه ، فكان ذلك كفرا بالمسجد الحرام ، وأخرجوا أهله منه وهم المؤمنون ؛ لأنهم أولى به من الكفار ، فأعلمهم الله أن الكفار مع هذا الإجرام أولى بالعيب من قتل رجل من المشركين في الشهر الحرام .

والله سبحانه وتعالى أعلم .

تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله باب تحريم الخمر

التالي السابق


الخدمات العلمية