الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 548 ] القول في تأويل قوله ( لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ( 94 ) )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - ، مخبرا عن قيله يوم القيامة لهؤلاء المشركين به الأنداد : " لقد تقطع بينكم " يعني تواصلهم الذي كان بينهم في الدنيا ، ذهب ذلك اليوم ، فلا تواصل بينهم ولا تواد ولا تناصر ، وقد كانوا في الدنيا يتواصلون ويتناصرون ، فاضمحل ذلك كله في الآخرة ، فلا أحد منهم ينصر صاحبه ، ولا يواصله .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

13574 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " لقد تقطع بينكم " " البين " تواصلهم .

13575 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " لقد تقطع بينكم " قال : تواصلهم في الدنيا .

13576 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : " لقد تقطع بينكم " قال : وصلكم .

13577 - وحدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " لقد تقطع بينكم " قال : ما كان بينكم من الوصل .

13578 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني [ ص: 549 ] معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون " يعني الأرحام والمنازل .

13579 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لقد تقطع بينكم " يقول : تقطع ما بينكم .

13580 - حدثنا أبو كريب قال قال أبو بكر بن عياش : " لقد تقطع بينكم " التواصل في الدنيا .

واختلفت القرأة في [ قراءة ] قوله : " بينكم " .

فقرأته عامة قرأة أهل المدينة نصبا ، بمعنى : لقد تقطع ما بينكم .

وقرأ ذلك عامة قرأة مكة والعراقين : لقد تقطع بينكم ) ، رفعا ، بمعنى : لقد تقطع وصلكم .

قال أبو جعفر : والصواب من القول عندي في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان باتفاق المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب .

وذلك أن العرب قد تنصب " بين " في موضع الاسم . ذكر سماعا منها : " أتاني نحوك ، ودونك ، وسواءك " نصبا في موضع الرفع . وقد ذكر عنها سماعا الرفع في " بين " إذا كان الفعل لها ، وجعلت اسما ، وينشد بيت مهلهل :


كأن رماحهم أشطان بئر بعيد بين جاليها جرور

[ ص: 550 ]

برفع " بين " إذ كانت اسما ، غير أن الأغلب عليهم في كلامهم النصب فيها في حال كونها صفة ، وفي حال كونها اسما .

وأما قوله : " وضل عنكم ما كنتم تزعمون " فإنه يقول : وحاد عن طريقكم ومنهاجكم ما كنتم من آلهتكم تزعمون أنه شريك ربكم ، وأنه لكم شفيع عند ربكم ، فلا يشفع لكم اليوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية