الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1023 [ ص: 342 ] ( 21 ) باب الدفن في قبر واحد من ضرورة وإنفاذ أبي بكر رضي الله عنه عدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته

                                                                                                                        978 - ذكر فيه مالك ، عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ؛ أنه بلغه : أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو ، الأنصاري ، ثم السلميين ، كانا قد حفر السيل قبرهما . وكان قبرهما مما يلي السيل . وكانا في قبر واحد . وهما ممن استشهد يوم أحد . فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما . فوجدا لم يتغيرا ، كأنهما ماتا بالأمس . وكان أحدهما قد جرح ، فوضع يده على جرحه ، فدفن وهو كذلك . فأميطت يده عن جرحه ، ثم أرسلت ، فرجعت كما كانت . وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ، ست وأربعون سنة .

                                                                                                                        20619 - قال مالك : لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد . من ضرورة ، ويجعل الأكبر مما يلي القبلة .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        20620 - قال أبو عمر : هكذا هذا الحديث في الموطأ ، لم يختلف الرواة فيه ، [ ص: 343 ] وهو متصل معناه من وجوه صحاح .

                                                                                                                        20621 - وأما عمرو بن الجموح ، فهو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام .

                                                                                                                        20622 - وأما عبد الله بن عمرو ، فهو عبد الله بن عمرو بن حرام ، وكلاهما من بني سلمة من الأنصار ، وقد ذكرت نسبهما في كتاب " الصحابة " ، فلا خلاف بين أهل السير والآثار والعلم بالخبر أنهما قتلا يوم أحد ، وأنهما دفنا في قبر واحد ، وكانا صهرين .

                                                                                                                        20623 - وكانت السيرة باتفاق من الآثار والعلماء بالسيرة والأخبار في قتلى أحد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما اشتد عليهم الحفر ككل إنسان ، وكانوا قد مسهم القرح ، قال لهم : احفروا وأعمقوا ووسعوا وادفنوا ، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد ، وقدموا أكثرهم قرآنا .

                                                                                                                        20624 - وقد ذكرنا الآثار بذلك في " التمهيد " .

                                                                                                                        20625 - وفي الحديث من الفقه أن دفن الرجلين والثلاثة في قبر ، لا يكون إلا [ ص: 344 ] من ضرورة ، كما قال مالك ، وإلا فالسنة المنقولة بنقل الكافة أن يدفن كل واحد في قبر ، فإن كانت ضرورة كانت في أهل أحد أسوة حسنة ، فإن قدم في القبر إلى القبلة : الأكبر ، فلا حرج ، وإن قدم الأكثر قرآنا فحسن ، والمعنى في ذلك من إمامته في الصلاة ، وقد أوضحنا ذلك في كتاب الصلاة .

                                                                                                                        20626 - وفيه أيضا دليل على تعليم السير والخبر والوقوف على آثار من مضى .

                                                                                                                        20627 - وفيه : لا بأس باستخراج الموتى من قبورهم إن وجد إلى ذلك ضرورة ، فأريد به الخير ، وأن ذلك ليس في باب شيء من نبش .

                                                                                                                        20628 - وفيه أن الشهداء لا تأكل الأرض لحومهم ، وممكن أن يكون في قتلى أحد خاصة ، إلا أنه قد وردت آثار توجب دخول غيرهم معهم في ذلك ، وقد تدعى المشاهدة في مثل هذا ، والله أعلم .

                                                                                                                        20629 - وأما الأحاديث المتصلة في هذا الباب ، فحدثنا خلف بن قاسم بن سهل ، قال : حدثنا بكر بن عبد الرحمن قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال : حدثنا حسان بن غالب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : استصرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد ، وأجرى معاوية العين ، فاستخرجناهم بعد ست وأربعين سنة لينة أجسادهم - تتثنى أطرافهم .

                                                                                                                        20630 - وحدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد ، قال : - حدثنا أحمد بن مطرف ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال : حدثنا [ ص: 345 ] سفيان بن عيينة ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : لما أراد معاوية أن يجري العين بأحد ، نودي بالمدينة : من كان له قتيل ، فليأت قتيله .

                                                                                                                        20631 - قال جابر : فأتيناهم ، فأخرجناهم ، رطابا يتثنون ، فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم ، فانفطرت دما .

                                                                                                                        20632 - قال أبو سعيد الخدري : لا ننكر بعد هذا منكرا أبدا .

                                                                                                                        20633 - قال أبو عمر : لا أدري من القائل ؟ .

                                                                                                                        20634 - قال أبو سعيد : أجابر قاله أم أبو الزبير ؟ لأنه لم يجد لأبي سعيد في الإسناد ذكرا .

                                                                                                                        20635 - وقد روي أن الذي أصبت أصبعه دما كان حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - .

                                                                                                                        20636 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا عبد الله بن عمر بن معمر الجوهري ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج ، قال : حدثنا حامد بن سليمان وحامد بن يحيى ، قالا : حدثنا سفيان بن عيينة ، واللفظ ليحيى ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لما أراد معاوية أن يجري العين التي إلى أحد أمر مناديا نادى بالمدينة : من كان له قتيل ، فليخرج وليباشر تحوله .

                                                                                                                        20637 - قال جابر : فأتيناهم ، فأخرجناهم ، من قبورهم رطابا يتثنون ، يعني [ ص: 346 ] شهداء أحد .

                                                                                                                        20638 - قال : فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم ، فانفطرت دما .

                                                                                                                        20639 - قال أبو سعيد : لا أنكر بعد هذا منكرا .

                                                                                                                        20640 - قال يحيى بن سليمان : قال لنا سفيان : بلغني أنه حمزة بن عبد المطلب .

                                                                                                                        20641 - وقد روي عن جابر بإسناد صحيح أنه أخرج أباه من قبره بعد ستة أشهر أو سبعة .

                                                                                                                        20642 - وهذا لا محالة وقت غير ذلك الوقت ، ومدة غير هذه المدة ، ولم يفعل ذلك جابر إلا إرادة أن يكون في قبره واحدا ، وذلك بين في الحديث .

                                                                                                                        20643 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا خالد بن حراش ، قال : حدثنا غسان بن مضر ، قال : حدثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : دعاني أبي ، وقد حضر أحدا ، فقال لي : يا جابر ! إني لا أراني إلا أول مقتول يقتل غدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإني لن أدع أحدا أعز منك غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن لك أخوات ، فاستوص لهن خيرا ، وإني علي دين ، فاقضه عني .

                                                                                                                        قال : فكان أول قتيل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        [ ص: 347 ] قال : فدفناه هو وآخر في قبر واحد ، وكان في نفسي منه شيء ، فاستخرجته بعد ستة أشهر كيوم دفنته .

                                                                                                                        20644 - وروى هذا الحديث شعبة عن أبي مسلمة ، عن أبي نضرة عن جابر مثله ، سواء بمعناه ، إلا أنه قال : بعد ستة أشهر أو سبعة .

                                                                                                                        20645 - وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن سعيد بن يزيد أبي سلمة عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال : دفن مع أبي رجل ، وكان في نفسي من ذلك حاجة ، فأخرجته بعد ستة أشهر ، فما أنكرت منه شيئا ، إلا شعيرات كن في لحيته ، مما يلي الأرض .






                                                                                                                        الخدمات العلمية