[ ص: 246 ] ( فصل : يشترك الكتاب والسنة والإجماع في سند ، ويسمى إسنادا ) لما فرغ من الأبحاث المختصة بكل واحد من الكتاب والسنة والإجماع .
شرع في الأبحاث المشتركة بين هذه الثلاثة . واعلم أن الكلام في الشيء إنما يكون بعد ثبوته ، ثم يتلوه ما يتوقف عليه من حيث دلالة الألفاظ . لأنه بعد الصحة يتوجه النظر إلى ما دل عليه ذلك الثابت ، ثم يتلوه ما يتوقف عليه من حيث استمرار الحكم وبقاؤه بأنه لم ينسخ ، ثم يتلوه ما يتوقف عليه الدليل ، وهو القياس ، من بيان أركانه وشروطه وأحكامه ; لأنه مفرع على الثلاثة الأول . وقوله " يشترك كذا . . . في سند " إشارة إلى أن المراد صحة وصولها إلينا لا ثبوتها في نفسها ، ولا كونها حقا ( وهو ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=21423_21465_21426_21656_20755السند ( إخبار عن طريق المتن ) قولا أو فعلا تواترا أو آحادا . ولو كان الإخبار بواسطة مخبر واحد فأكثر عمن ينسب المتن إليه ( و ) يشترك الكتاب والسنة والإجماع أيضا ( في متن وهو المخبر به ) وأصل السند في اللغة : ما يستند إليه ، أو ما ارتفع من الأرض ، وأخذ المعنى الاصطلاحي من الثاني أكثر مناسبة . فلذلك يقال : أسندت الحديث ، أي رفعته إلى المحدث . فيحتمل أنه اسم مصدر من أسند يسند ، أطلق على المسند إليه ، وأن يكون موضوعا لما يسند إليه . والمسند - بكسر النون - من يروي الحديث بإسناده ، سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد روايته . وأما مادة المتن : فإنها في الأصل راجعة إلى معنى الصلابة . ويقال لما صلب من الأرض : متن ، والجمع متان . ويسمى أسفل الظهر من الإنسان والبهيمة متنا ، والجمع متون . فالمتن هنا : ما تضمنه الثلاثة ، التي هي الكتاب والسنة والإجماع من أمر ونهي ، وعام وخاص ، ومجمل ومبين ، ومنطوق ومفهوم ونحوها ( والخبر ) يحد عند الأكثر . ولهم فيه حدود كثيرة قل أن يسلم واحد منها من خدش . وأسلمها قولهم ( ما يدخله صدق وكذب ) وهو
nindex.php?page=showalam&ids=11851لأبي الخطاب في التمهيد ،
وابن البنا nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل . وأكثر
المعتزلة . ونقض بمثل
محمد ومسيلمة صادقان . وبقول من يكذب دائما : كل أخباري كذب . فخبره هذا لا يدخله صدق ، وإلا
[ ص: 247 ] كذبت أخباره وهو منها . ولا كذب وإلا كذبت أخباره مع هذا ، وصدق في قوله : كل أخباري كذب فتناقض . ويلزم الدور لتوقف معرفتها على معرفة الخبر ; ولأن الصدق : الخبر المطابق ، والكذب : ضده . وباباهما متقابلان فلا يجتمعان في خبر واحد . فيلزم امتناع الخبر أو وجوده مع عدم صدق الحد ، وبخبر الباري . وأجيب عن الأول : بأنه في معنى خبرين لإفادته حكما لشخصين . ولا يوصفان بهما . بل يوصف بهما الخبر الواحد من حيث هو خبر . ورد لا يمنع ذلك من وصفه بهما بدليل الكذب في قول القائل : كل موجود حادث . وإن أفاد حكما لأشخاص . وأجيب : بأنه كذب ; لأنه أضاف الكذب إليهما معا . وهو لأحدهما . وسلمه بعضهم . ولكن لم يدخله الصدق . وأجيب : بأن معنى الحد بأن اللغة لا تمنع القول للمتكلم به ، صدقت أم كذبت . ورد برجوعه إلى التصديق والتكذيب . وهو غير الصدق والكذب في الخبر . وقوله : كل أخباري كذب . إن طابق فصدق ، وإلا فكذب . ولا يخلو عنهما . وقال بعض أصحابنا : يتناول قوله ما سوى هذا الخبر . إذ الخبر لا يكون بعض المخبر . قال : ونص
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على مثله . ولا جواب عن الدور . وقد قيل : لا تتوقف معرفة الصدق والكذب على الخبر لعلمهما ضرورة . وأجيب عن الأخير وما قبله بأن المحدود جنس الخبر ، وهو قابل لهما كالسواد والبياض في جنس اللون . ورد ، لا بد من وجود الحد في كل خبر وإلا لزم وجود الخبر دون حده ، وأجيب : بأن الواو وإن كانت للجمع ، لكن المراد الترديد بين القسمين تجوزا ، لكن يصان الحد عن مثله . والحد الثاني
nindex.php?page=showalam&ids=14953للقاضي في العدة وغيره : أنه كل ما دخله الصدق والكذب . والثالث :
nindex.php?page=showalam&ids=13439للموفق في الروضة وغيره : ما يدخله التصديق أو التكذيب . فيرد عليهما الدور المتقدم . وما قبل الدور أيضا ، وبمنافاة " أو " للتعريف ; لأنها للترديد . فلهذا أتى
الطوفي في مختصره وغيره بالواو ، وهو الحد الرابع . والحد الخامس
لأبي الحسين المعتزلي : أن الخبر كلام يفيد بنفسه نسبة ، والكلمة عنده كلام ; لأنه حده بما انتظم
[ ص: 248 ] من حروف مسموعة متميزة . السادس :
nindex.php?page=showalam&ids=12671لابن الحاجب في مختصره وغيره : هو الكلام المحكوم فيه بنسبة خارجية . قال : ونعني الخارج عن كلام النفس . فنحو : طلبت القيام حكم بنسبة لها خارجي ، بخلاف قم . قال
الأصفهاني : ونعني بالكلام ما تضمن كلمتين بالإسناد . والمراد بالنسبة الخارجية : الأمر الخارج عن كلام النفس الذي تعلق به كلام النفس بالمطابقة واللا مطابقة . ويسمى ذلك الأمر : النسبة الخارجية . فيدخل في هذا التعريف : نحو طلبت القيام . فإنه قد حكم بنسبة لها خارجي ، وهو نسبة طلب القيام إلى المتكلم في الزمان الماضي ، وهذه النسبة الخارجية عن الحكم النفسي تعلق بها الحكم النفسي بالمطابقة واللا مطابقة بخلاف قم . فإنه متعلق بالحكم النفسي ، وليس له تعلق خارجي . الحد السابع
للبرماوي : أن الخبر ما له من الكلام خارج . أي لنسبته وجود خارجي في زمن غير زمن الحكم بالنسبة . الحد الثامن
لابن حمدان في المقنع : أنه قول يدل على نسبة معلوم إلى معلوم أو سلبها عنه ، ويحسن السكوت عليه . والقول الثاني - وهو أن الخبر لا يحد كالوجود والعدم للقائلين به - مأخذان : أحدهما : عسره . كما قيل في العلم . المأخذ الثاني : أن تصوره ضروري ; لأن كل أحد يعلم بالضرورة أنه موجود ، أي يعلم معنى قوله : أنا موجود ، من حيث وقوع النسبة فيه على وجه محتمل للصدق والكذب ، وهو خبر خاص . فمطلق الخبر الذي هو جزء هذا الخبر الخاص أولى أن يكون ضروريا ( ويطلق ) الخبر ( مجازا ) أي من جهة اللغة ( على دلالة معنوية وإشارة حالية ) كقولهم : عيناك تخبرني بكذا ، والغراب يخبر بكذا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15155أبو الطيب المتنبي :
وكم لظلام الليل عندك من يد تخبر أن المانوية تكذب
( و ) يطلق الخبر ( حقيقة على الصيغة ) قال
ابن قاضي الجبل : ويطلق حقيقة على قول مخصوص . وذلك لتبادر الفهم عند الإطلاق إلى ذلك ( وتدل ) الصيغة ( بمجردها ) أي من غير قرينة ( عليه ) أي على كونه خبرا عند
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبي يعلى [ ص: 249 ] وغيره . وناقشه
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل . وقال : الصيغة . هي الخبر . فلا يقال له صيغة ، ولا هي دالة عليه . واختار كثير من أصحابنا ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي . وقالوا : لأن الخبر هو اللفظ والمعنى ، لا اللفظ فقط . فتقديره لهذا المركب جزء ، ويدل بنفسه على المركب . وإذا قيل : الخبر الصيغة فقط ، بقي الدليل هو المدلول عليه . وقالت
المعتزلة : لا صيغة له ، ويدل اللفظ عليه بقرينة هي قصد المخبر إلى الإخبار . كالأمر عندهم . وقالت
الأشعرية : هو المعنى النفسي . وقال
الآمدي : يطلق على الصيغة وعلى المعنى ، والأشبه لغة : حقيقة في الصيغة لتبادرها عند الإطلاق ( ولا يشترط فيه ) أي في الخبر ( إرادة ) الإخبار ، بل هو مفيد بذاته إفادة أولية . واحترز بذلك عما يفيد باللازم أو بالقرينة . نحو أنا أطلب منك أن تخبرني بكذا ، أو أن تسقيني ماء ، أو أن تترك الأذى ونحوه . فإن هذا وإن كان دالا على الطلب ، لكنه لا بذاته بل هذه إخبارات لازمها الطلب ، ولا يسمى الأول استفهاما ، ولا الثاني أمرا ، ولا الثالث نهيا . وكذا قوله : أنا عطشان . كأنه قال : اسقني . فإن هذا طلب بالقرينة لا بذاته . إذا علمت ذلك ( فإتيانه ) أي مجيئه ( دعاء ) نحو غفر الله له ورحمه ( أو تهديدا ) نحو قوله تعالى سنفرغ لكم أيه الثقلان ونحو قول السيد لعبده : قد علمت أنك لا تنتهي عن سوء فعلك بدون المعاقبة ( أو أمرا ) نحو قوله سبحانه وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228والمطلقات يتربصن } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233والوالدات يرضعن } وأمرتك أن تفعل كذا ، وأنت مأمور بكذا ( مجاز ) لأن ذلك لا يدخله صدق ولا كذب . إذا تقرر هذا : فالخبر يشتمل على محكوم عليه ومحكوم به . ويعبر عنه البيانيون بمسند إليه ومسند ، ويعدونه إلى مطلق الكلام . والمناطقة يسمون الخبر قضية ، لما فيها من القضاء بشيء على شيء ، ويسمون المقضي عليه موضوعا ، والمقضي به محمولا ; لأنك تضع الشيء وتحمل عليه حكما ، ويقسمون القضية إلى : طبيعية ، وهي ما حكم فيها بأحد أمرين من حيث هو على الآخر من حيث هو ، لا بالنظر إلى أفراده نحو : الرجل خير من المرأة ، ونحو : الماء مرو .
وغير الطبيعية ، وهي التي قصد الحكم فيها على شخص في الخارج لا على الحقيقة من
[ ص: 250 ] حيث هي ، ثم ينظر . فإن حكم فيها على جزء معين سميت شخصية . نحو زيد قائم ، أو لا على معين . فإن ذكر فيها سور الكل أو البعض في نفي أو إثبات .
سميت محصورة . نحو كل إنسان كاتب بالقوة ، وبعض الإنسان كاتب بالفعل ، ونحو لا شيء ، أو لا واحد من الإنسان بجماد ، وليس بعض الإنسان بكاتب بالفعل ، أو بعض الإنسان ليس كذلك ، وإن لم يكن للقضية سور ، والمراد الحكم فيها على الأفراد لا على الحقيقة من حيث هي : سميت مهملة ، نحو الإنسان في خسر . والحكم فيها على بعض ضروري ، فهو المتحقق . ولا يصدق عليها كلية ، لكن إذا كان فيها " أل " كما في : الإنسان كاتب ، يطلق عليها
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب وغيره كثيرا أنها كلية ، نظرا إلى إفادة " أل " للعموم . فهي مثل : كل ، وإن لم يكن ذلك من اصطلاح المناطقة ( وغيره ) أي وغير الخبر من الكلام ( إنشاء وتنبيه ) وهما لفظان مترادفان على مسمى واحد ، سمي إنشاء لأنك ابتكرته من غير أن يكون موجودا قبل ذلك في الخارج ، وسمي تنبيها لأنك تنبه به على مقصودك ( ومنه ) أي من غير الخبر ( الأمر ) نحو قم ( ونهي ) نحو لا تقعد ( واستفهام ) نحو هل عندك أحد ؟ ( وتمن ) نحو ليت الشباب يعود ( وترج ) نحو قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم } والفرق بين التمني والترجي : أن التمني يكون في المستحيل والممكن ، والترجي لا يكون إلا في الممكن ( وقسم ) نحو قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=57تالله لأكيدن أصنامكم } ( ونداء ) نحو : قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1يا أيها الناس اتقوا ربكم } ( وصيغة عقد ) نحو وهبت ونحو قبلت ( و ) صيغة ( فسخ ) نحو أقلت . وقيل : إن صيغ العقود والفسوخ ليست بإنشاء ، وأنها باقية على أصلها من الإخبار . فإن معنى قولك : الإخبار عما في قلبك . فإن أصل البيع : هو التراضي . فصار " بعت " ونحوها : لفظا دالا على الرضى بما في ضميرك .
فيقدر وجودها قبل اللفظ للضرورة . وغاية ذلك أن يكون مجازا . وهو أولى من النقل ودليل الصحيح من مذهبنا ومذهب أكثر العلماء : أن صيغة العقد والفسخ
[ ص: 251 ] ونحوهما ، مما اقترن معناه بوجود لفظه ، نحو بعت واشتريت وأعتقت وطلقت وفسخت ونحوها مما يشابه ذلك ، مما تستحدث بها الأحكام إنشاء ; لأن ذلك لو كان خبرا لكان إما عن ماض أو حال أو مستقبل ، والأولان باطلان ، لئلا يلزم أن لا يقبل الطلاق ونحوه التعليق . لأنه يقتضي توقف شيء لم يوجد على ما لم يوجد ، والماضي والحال قد وجدا ، لكن قبوله التعليق إجماع ، والمستقبل يلزم منه أن لا يقع به شيء ; لأنه بمنزلة سأطلق ، والفرض خلافه ، إلى غير ذلك من أدلته . وأيضا لا خارج لها ، ولا تقبل صدقا ولا كذبا . ولو كانت خبرا لما قبلت تعليقا ، لكونه ماضيا ; ولأن العلم الضروري قاطع بالفرق بين طلقت إذا قصد به الوقوع وطلقت إذا قصد به الإخبار ( ولو قال لرجعية : طلقتك ، طلقت ) على الصحيح الذي عليه الأكثر لأنه إنشاء للطلاق . فعلى هذا : لا يقبل قوله : أنه أراد الإخبار ، وهو المراد بقوله ( وفي وجه وإن ادعى ماضيا ) وقد تقدم في خطبة الكتاب " أني متى قلت في وجه : كان المقدم خلافه " فعلم منها : أن الصحيح أنها تطلق ، ولو قال : أردت الإخبار . وذهب بعضهم إلى أنها لا تطلق ، وكأنه يعني أنه قصد الإخبار عن الطلاق الماضي ( و ) قول الشاهد ( أشهد : إنشاء تضمن إخبارا ) عما في نفسه ، وهذا هو المختار . وقيل : إن ذلك إخبار محض ; وهو ظاهر كلام أهل اللغة ، قال
ابن فارس في المجمل : الشهادة خبر عن علم . وقال
الرازي : قوله أشهد إخبار عن الشهادة . وهي الحكم الذهني المسمى بكلام النفس . وقيل : إن ذلك إنشاء محض ; لأنه لا يدخله تكذيب شرعا . وإليه ميل
القرافي . وأما قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } فراجع إلى تسميتهم ذلك شهادة ; لا أنها ما واطأ فيها القلب اللسان . وإنما اختير القول الأول لاضطراب الناس في ذلك . فقائل بأنها إخبار . كما في كتب اللغة ، وقائل بأنها إنشاء ; لأنه لا يدخل تكذيب شرعا . فالقائل بالثالث - رأى أن كلا من القولين - له وجه .
فجمع بينهما . وقال
الكوراني : إذا أردت تحقيق المسألة ، فاعلم أنا قدمنا أن دلالة
[ ص: 252 ] الألفاظ إنما هي على الصور الذهنية القائمة بالنفس . فإن أريد بالكلام الإشارة إلى أن النسبة القائمة بالنفس مطابقة لأخرى خارجية في أحد الأزمنة الثلاثة .
فالكلام خبر ، سواء كانت تلك الخارجية قائمة بالنفس أيضا ، كعلمت وظننت .
أو بغيره كخرجت ودخلت ، وإن لم يرد مطابقة تلك النسبة الذهنية لأخرى خارجية . فالكلام إنشاء . فإذا قال القائل : أشهد بكذا . لا يشك أحد في أنه لم يقصد أن تلك النسبة القائمة بنفسه تطابق نسبة أخرى في أحد الأزمنة ، بل مراده الدلالة على ما في نفسه من ثبوت هذه النسبة . مثل : اضرب ، ولا تضرب .
فهو إنشاء محض ، ولا يرجع الصدق ولا الكذب إليه ، وكون المشهود به خبرا لا يخرجه عن كونه إنشاء محضا ; لأن تلك النسبة مستقلة بحكم ، ولو كان كون الشيء متضمنا لآخر يخرجه عن كونه محض ذلك الشيء لم يبق إنشاء محض قط إذ قولك : اضرب . متضمن لقولك : الضرب منك مطلوب ، أو أطلب الضرب منك . وهذا مما لا يقول به عاقل . انتهى .
[ ص: 246 ] ( فَصْلٌ : يَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فِي سَنَدٍ ، وَيُسَمَّى إسْنَادًا ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَبْحَاثِ الْمُخْتَصَّةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
شَرَعَ فِي الْأَبْحَاثِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ . وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ الْأَلْفَاظِ . لِأَنَّهُ بَعْدَ الصِّحَّةِ يَتَوَجَّهُ النَّظَرُ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الثَّابِتُ ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ اسْتِمْرَارُ الْحُكْمِ وَبَقَاؤُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ، مِنْ بَيَانِ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ ; لِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ . وَقَوْلُهُ " يَشْتَرِكُ كَذَا . . . فِي سَنَدٍ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ وُصُولِهَا إلَيْنَا لَا ثُبُوتُهَا فِي نَفْسِهَا ، وَلَا كَوْنُهَا حَقًّا ( وَهُوَ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=21423_21465_21426_21656_20755السَّنَدُ ( إخْبَارٌ عَنْ طَرِيقِ الْمَتْنِ ) قَوْلًا أَوْ فِعْلًا تَوَاتُرًا أَوْ آحَادًا . وَلَوْ كَانَ الْإِخْبَارُ بِوَاسِطَةٍ مُخْبِرٍ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ عَمَّنْ يُنْسَبُ الْمَتْنُ إلَيْهِ ( وَ ) يَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَيْضًا ( فِي مَتْنٍ وَهُوَ الْمُخْبَرُ بِهِ ) وَأَصْلُ السَّنَدِ فِي اللُّغَةِ : مَا يُسْتَنَدُ إلَيْهِ ، أَوْ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ ، وَأَخْذُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ مِنْ الثَّانِي أَكْثَرُ مُنَاسَبَةً . فَلِذَلِكَ يُقَالُ : أَسْنَدْت الْحَدِيثَ ، أَيْ رَفَعْته إلَى الْمُحَدِّثِ . فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ أَسْنَدَ يُسْنِدُ ، أُطْلِقَ عَلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِ ، وَأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَا يُسْنَدُ إلَيْهِ . وَالْمُسْنِدُ - بِكَسْرِ النُّونِ - مَنْ يَرْوِي الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِهِ أَوْ لَيْسَ لَهُ إلَّا مُجَرَّدُ رِوَايَتِهِ . وَأَمَّا مَادَّةُ الْمَتْنِ : فَإِنَّهَا فِي الْأَصْلِ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى الصَّلَابَةِ . وَيُقَالُ لِمَا صَلُبَ مِنْ الْأَرْضِ : مَتْنٌ ، وَالْجَمْعُ مِتَانٌ . وَيُسَمَّى أَسْفَلُ الظَّهْرِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالْبَهِيمَةِ مَتْنًا ، وَالْجَمْعُ مُتُونٌ . فَالْمَتْنُ هُنَا : مَا تَضَمَّنَهُ الثَّلَاثَةُ ، الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ ، وَعَامٍّ وَخَاصٍّ ، وَمُجْمَلٍ وَمُبَيَّنٍ ، وَمَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ وَنَحْوِهَا ( وَالْخَبَرُ ) يُحَدُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ . وَلَهُمْ فِيهِ حُدُودٌ كَثِيرَةٌ قَلَّ أَنْ يَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ خَدْشٍ . وَأَسْلَمُهَا قَوْلُهُمْ ( مَا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ وَكَذِبٌ ) وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=11851لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ ،
وَابْنِ الْبَنَّا nindex.php?page=showalam&ids=13372وَابْنِ عَقِيلٍ . وَأَكْثَرِ
الْمُعْتَزِلَةِ . وَنُقِضَ بِمِثْلِ
مُحَمَّدٌ وَمُسَيْلِمَةُ صَادِقَانِ . وَبِقَوْلِ مَنْ يَكْذِبُ دَائِمًا : كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ . فَخَبَرُهُ هَذَا لَا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ ، وَإِلَّا
[ ص: 247 ] كُذِّبَتْ أَخْبَارُهُ وَهُوَ مِنْهَا . وَلَا كَذِبٌ وَإِلَّا كُذِّبَتْ أَخْبَارُهُ مَعَ هَذَا ، وَصَدَقَ فِي قَوْلِهِ : كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ فَتَنَاقَضَ . وَيَلْزَمُ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَتِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَبَرِ ; وَلِأَنَّ الصِّدْقَ : الْخَبَرُ الْمُطَابِقُ ، وَالْكَذِبَ : ضِدُّهُ . وَبَابَاهُمَا مُتَقَابِلَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ . فَيَلْزَمُ امْتِنَاعُ الْخَبَرِ أَوْ وُجُودُهُ مَعَ عَدَمِ صِدْقِ الْحَدِّ ، وَبِخَبَرِ الْبَارِي . وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ : بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى خَبَرَيْنِ لِإِفَادَتِهِ حُكْمًا لِشَخْصَيْنِ . وَلَا يُوصَفَانِ بِهِمَا . بَلْ يُوصَفُ بِهِمَا الْخَبَرُ الْوَاحِدُ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرٌ . وَرُدَّ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِهِمَا بِدَلِيلِ الْكَذِبِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ : كُلُّ مَوْجُودٍ حَادِثٌ . وَإِنْ أَفَادَ حُكْمًا لِأَشْخَاصٍ . وَأُجِيبَ : بِأَنَّهُ كَذِبٌ ; لِأَنَّهُ أَضَافَ الْكَذِبَ إلَيْهِمَا مَعًا . وَهُوَ لِأَحَدِهِمَا . وَسَلَّمَهُ بَعْضُهُمْ . وَلَكِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ الصِّدْقُ . وَأُجِيبَ : بِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِّ بِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تَمْنَعُ الْقَوْلَ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ ، صَدَقْتَ أَمْ كَذَبْتَ . وَرُدَّ بِرُجُوعِهِ إلَى التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ . وَهُوَ غَيْرُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ . وَقَوْلُهُ : كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ . إنْ طَابَقَ فَصِدْقٌ ، وَإِلَّا فَكَذِبٌ . وَلَا يَخْلُو عَنْهُمَا . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يَتَنَاوَلُ قَوْلُهُ مَا سِوَى هَذَا الْخَبَرِ . إذْ الْخَبَرُ لَا يَكُونُ بَعْضَ الْمُخْبَرِ . قَالَ : وَنَصَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ . وَلَا جَوَابَ عَنْ الدَّوْرِ . وَقَدْ قِيلَ : لَا تَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عَلَى الْخَبَرِ لِعِلْمِهِمَا ضَرُورَةً . وَأُجِيبَ عَنْ الْأَخِيرِ وَمَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ جِنْسُ الْخَبَرِ ، وَهُوَ قَابِلٌ لَهُمَا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فِي جِنْسِ اللَّوْنِ . وَرُدَّ ، لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَدِّ فِي كُلِّ خَبَرٍ وَإِلَّا لَزِمَ وُجُودُ الْخَبَرِ دُونَ حَدِّهِ ، وَأُجِيبَ : بِأَنَّ الْوَاوَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ ، لَكِنَّ الْمُرَادَ التَّرْدِيدُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ تَجَوُّزًا ، لَكِنْ يُصَانُ الْحَدُّ عَنْ مِثْلِهِ . وَالْحَدُّ الثَّانِي
nindex.php?page=showalam&ids=14953لِلْقَاضِي فِي الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ : أَنَّهُ كُلُّ مَا دَخَلَهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ . وَالثَّالِثُ :
nindex.php?page=showalam&ids=13439لِلْمُوَفَّقِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِ : مَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ أَوْ التَّكْذِيبُ . فَيَرِدُ عَلَيْهِمَا الدَّوْرُ الْمُتَقَدِّمُ . وَمَا قَبْلَ الدَّوْرِ أَيْضًا ، وَبِمُنَافَاةِ " أَوْ " لِلتَّعْرِيفِ ; لِأَنَّهَا لِلتَّرْدِيدِ . فَلِهَذَا أَتَى
الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَغَيْرُهُ بِالْوَاوِ ، وَهُوَ الْحَدُّ الرَّابِعُ . وَالْحَدُّ الْخَامِسُ
لِأَبِي الْحُسَيْنِ الْمُعْتَزِلِيِّ : أَنَّ الْخَبَرَ كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً ، وَالْكَلِمَةُ عِنْدَهُ كَلَامٌ ; لِأَنَّهُ حَدَّهُ بِمَا انْتَظَمَ
[ ص: 248 ] مِنْ حُرُوفٍ مَسْمُوعَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ . السَّادِسُ :
nindex.php?page=showalam&ids=12671لِابْنِ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَغَيْرِهِ : هُوَ الْكَلَامُ الْمَحْكُومُ فِيهِ بِنِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ . قَالَ : وَنَعْنِي الْخَارِجَ عَنْ كَلَامِ النَّفْسِ . فَنَحْوُ : طَلَبْت الْقِيَامَ حُكْمٌ بِنِسْبَةٍ لَهَا خَارِجِيٌّ ، بِخِلَافِ قُمْ . قَالَ
الْأَصْفَهَانِيُّ : وَنَعْنِي بِالْكَلَامِ مَا تَضَمَّنَ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ . وَالْمُرَادُ بِالنِّسْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ : الْأَمْرُ الْخَارِجُ عَنْ كَلَامِ النَّفْسِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ كَلَامُ النَّفْسِ بِالْمُطَابَقَةِ وَاللَّا مُطَابَقَةِ . وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْأَمْرُ : النِّسْبَةَ الْخَارِجِيَّةَ . فَيَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ : نَحْوُ طَلَبْت الْقِيَامَ . فَإِنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِنِسْبَةٍ لَهَا خَارِجِيٌّ ، وَهُوَ نِسْبَةُ طَلَبِ الْقِيَامِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي ، وَهَذِهِ النِّسْبَةُ الْخَارِجِيَّةُ عَنْ الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ تَعَلَّقَ بِهَا الْحُكْمُ النَّفْسِيُّ بِالْمُطَابَقَةِ وَاللَّا مُطَابَقَةِ بِخِلَافِ قُمْ . فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحُكْمِ النَّفْسِيِّ ، وَلَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ خَارِجِيٌّ . الْحَدُّ السَّابِعُ
لِلْبِرْمَاوِيِّ : أَنَّ الْخَبَرَ مَا لَهُ مِنْ الْكَلَامِ خَارِجٌ . أَيْ لِنِسْبَتِهِ وُجُودٌ خَارِجِيٌّ فِي زَمَنٍ غَيْرِ زَمَنِ الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ . الْحَدُّ الثَّامِنُ
لِابْنِ حَمْدَانَ فِي الْمُقْنِعِ : أَنَّهُ قَوْلٌ يَدُلُّ عَلَى نِسْبَةِ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ أَوْ سَلْبِهَا عَنْهُ ، وَيَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ . وَالْقَوْلِ الثَّانِي - وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ لَا يُحَدُّ كَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لِلْقَائِلِينَ بِهِ - مَأْخَذَانِ : أَحَدُهُمَا : عُسْرُهُ . كَمَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ . الْمَأْخَذُ الثَّانِي : أَنَّ تَصَوُّرَهُ ضَرُورِيٌّ ; لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ ، أَيْ يَعْلَمُ مَعْنَى قَوْلِهِ : أَنَا مَوْجُودٌ ، مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ النِّسْبَةِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ مُحْتَمِلٍ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ ، وَهُوَ خَبَرٌ خَاصٌّ . فَمُطْلَقُ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ هَذَا الْخَبَرِ الْخَاصِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا ( وَيُطْلَقُ ) الْخَبَرُ ( مَجَازًا ) أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ ( عَلَى دَلَالَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ وَإِشَارَةٍ حَالِيَّةٍ ) كَقَوْلِهِمْ : عَيْنَاكِ تُخْبِرُنِي بِكَذَا ، وَالْغُرَابُ يُخْبِرُ بِكَذَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15155أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي :
وَكَمْ لِظَلَامِ اللَّيْلِ عِنْدَك مِنْ يَدٍ تُخَبِّرُ أَنَّ الْمَانَوِيَّةَ تَكْذِبُ
( وَ ) يُطْلَقُ الْخَبَرُ ( حَقِيقَةً عَلَى الصِّيغَةِ ) قَالَ
ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ : وَيُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى قَوْلٍ مَخْصُوصٍ . وَذَلِكَ لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى ذَلِكَ ( وَتَدُلُّ ) الصِّيغَةُ ( بِمُجَرَّدِهَا ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ خَبَرًا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى [ ص: 249 ] وَغَيْرِهِ . وَنَاقَشَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابْنُ عَقِيلٍ . وَقَالَ : الصِّيغَةُ . هِيَ الْخَبَرُ . فَلَا يُقَالُ لَهُ صِيغَةٌ ، وَلَا هِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهِ . وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي . وَقَالُوا : لِأَنَّ الْخَبَرَ هُوَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى ، لَا اللَّفْظُ فَقَطْ . فَتَقْدِيرُهُ لِهَذَا الْمُرَكَّبِ جُزْءٌ ، وَيَدُلُّ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمُرَكَّبِ . وَإِذَا قِيلَ : الْخَبَرُ الصِّيغَةُ فَقَطْ ، بَقِيَ الدَّلِيلُ هُوَ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ . وَقَالَتْ
الْمُعْتَزِلَةُ : لَا صِيغَةَ لَهُ ، وَيَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةٍ هِيَ قَصْدُ الْمُخْبِرِ إلَى الْإِخْبَارِ . كَالْأَمْرِ عِنْدَهُمْ . وَقَالَتْ
الْأَشْعَرِيَّةُ : هُوَ الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ . وَقَالَ
الْآمِدِيُّ : يُطْلَقُ عَلَى الصِّيغَةِ وَعَلَى الْمَعْنَى ، وَالْأَشْبَهُ لُغَةً : حَقِيقَةٌ فِي الصِّيغَةِ لِتَبَادُرِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ) أَيْ فِي الْخَبَرِ ( إرَادَةُ ) الْإِخْبَارِ ، بَلْ هُوَ مُفِيدٌ بِذَاتِهِ إفَادَةً أَوَّلِيَّةً . وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا يُفِيدُ بِاللَّازِمِ أَوْ بِالْقَرِينَةِ . نَحْوُ أَنَا أَطْلُبُ مِنْك أَنْ تُخْبِرَنِي بِكَذَا ، أَوْ أَنْ تَسْقِيَنِي مَاءً ، أَوْ أَنْ تَتْرُكَ الْأَذَى وَنَحْوَهُ . فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى الطَّلَبِ ، لَكِنَّهُ لَا بِذَاتِهِ بَلْ هَذِهِ إخْبَارَاتٌ لَازَمَهَا الطَّلَبُ ، وَلَا يُسَمَّى الْأَوَّلُ اسْتِفْهَامًا ، وَلَا الثَّانِي أَمْرًا ، وَلَا الثَّالِثُ نَهْيًا . وَكَذَا قَوْلُهُ : أَنَا عَطْشَانُ . كَأَنَّهُ قَالَ : اسْقِنِي . فَإِنَّ هَذَا طَلَبٌ بِالْقَرِينَةِ لَا بِذَاتِهِ . إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ ( فَإِتْيَانُهُ ) أَيْ مَجِيئُهُ ( دُعَاءً ) نَحْوَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَرَحِمَهُ ( أَوْ تَهْدِيدًا ) نَحْوَ قَوْله تَعَالَى سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ وَنَحْوَ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّك لَا تَنْتَهِي عَنْ سُوءِ فِعْلِك بِدُونِ الْمُعَاقَبَةِ ( أَوْ أَمْرًا ) نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ } وَأَمَرْتُك أَنْ تَفْعَلَ كَذَا ، وَأَنْتَ مَأْمُورٌ بِكَذَا ( مَجَازٌ ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ . إذَا تَقَرَّرَ هَذَا : فَالْخَبَرُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَحْكُومٍ عَلَيْهِ وَمَحْكُومٍ بِهِ . وَيُعَبِّرُ عَنْهُ الْبَيَانِيُّونَ بِمُسْنَدٍ إلَيْهِ وَمُسْنَدٍ ، وَيَعُدُّونَهُ إلَى مُطْلَقِ الْكَلَامِ . وَالْمَنَاطِقَةُ يُسَمُّونَ الْخَبَرَ قَضِيَّةً ، لِمَا فِيهَا مِنْ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ ، وَيُسَمُّونَ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَوْضُوعًا ، وَالْمَقْضِيَّ بِهِ مَحْمُولًا ; لِأَنَّك تَضَعُ الشَّيْءَ وَتَحْمِلُ عَلَيْهِ حُكْمًا ، وَيُقَسِّمُونَ الْقَضِيَّةَ إلَى : طَبِيعِيَّةٍ ، وَهِيَ مَا حُكِمَ فِيهَا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَلَى الْآخَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ، لَا بِالنَّظَرِ إلَى أَفْرَادِهِ نَحْوُ : الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ ، وَنَحْوُ : الْمَاءُ مُرْوٍ .
وَغَيْرِ الطَّبِيعِيَّةِ ، وَهِيَ الَّتِي قُصِدَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى شَخْصٍ فِي الْخَارِجِ لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ
[ ص: 250 ] حَيْثُ هِيَ ، ثُمَّ يُنْظَرُ . فَإِنْ حُكِمَ فِيهَا عَلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ سُمِّيَتْ شَخْصِيَّةً . نَحْوُ زَيْدٌ قَائِمٌ ، أَوْ لَا عَلَى مُعَيَّنٍ . فَإِنْ ذُكِرَ فِيهَا سُورُ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ فِي نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ .
سُمِّيَتْ مَحْصُورَةً . نَحْوُ كُلُّ إنْسَانٍ كَاتِبٌ بِالْقُوَّةِ ، وَبَعْضُ الْإِنْسَانِ كَاتِبٌ بِالْفِعْلِ ، وَنَحْوُ لَا شَيْءَ ، أَوْ لَا وَاحِدَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِجَمَادٍ ، وَلَيْسَ بَعْضُ الْإِنْسَانِ بِكَاتِبٍ بِالْفِعْلِ ، أَوْ بَعْضُ الْإِنْسَانِ لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَضِيَّةِ سُورٌ ، وَالْمُرَادُ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى الْأَفْرَادِ لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ : سُمِّيَتْ مُهْمَلَةً ، نَحْوُ الْإِنْسَانُ فِي خُسْرٍ . وَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى بَعْضٍ ضَرُورِيٌّ ، فَهُوَ الْمُتَحَقِّقُ . وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا كُلِّيَّةٌ ، لَكِنْ إذَا كَانَ فِيهَا " أَلْ " كَمَا فِي : الْإِنْسَانُ كَاتِبٌ ، يُطْلِقُ عَلَيْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ كَثِيرًا أَنَّهَا كُلِّيَّةٌ ، نَظَرًا إلَى إفَادَةِ " أَلْ " لِلْعُمُومِ . فَهِيَ مِثْلُ : كُلٍّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ اصْطِلَاحِ الْمَنَاطِقَةِ ( وَغَيْرُهُ ) أَيْ وَغَيْرُ الْخَبَرِ مِنْ الْكَلَامِ ( إنْشَاءٌ وَتَنْبِيهٌ ) وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ ، سُمِّيَ إنْشَاءً لِأَنَّك ابْتَكَرْته مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ ، وَسُمِّيَ تَنْبِيهًا لِأَنَّك تُنَبِّهُ بِهِ عَلَى مَقْصُودِك ( وَمِنْهُ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْخَبَرِ ( الْأَمْرُ ) نَحْوُ قُمْ ( وَنَهْيٌ ) نَحْوُ لَا تَقْعُدْ ( وَاسْتِفْهَامٌ ) نَحْوُ هَلْ عِنْدَك أَحَدٌ ؟ ( وَتَمَنٍّ ) نَحْوُ لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ ( وَتَرَجٍّ ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ } وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي : أَنَّ التَّمَنِّي يَكُونُ فِي الْمُسْتَحِيلِ وَالْمُمْكِنِ ، وَالتَّرَجِّي لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمُمْكِنِ ( وَقَسَمٌ ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=57تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } ( وَنِدَاءٌ ) نَحْوُ : قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ } ( وَصِيغَةُ عَقْدٍ ) نَحْوُ وَهَبْت وَنَحْوُ قَبِلْت ( وَ ) صِيغَةُ ( فَسْخٍ ) نَحْوُ أَقَلْت . وَقِيلَ : إنَّ صِيَغَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ لَيْسَتْ بِإِنْشَاءٍ ، وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا مِنْ الْإِخْبَارِ . فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِك : الْإِخْبَارُ عَمَّا فِي قَلْبِك . فَإِنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ : هُوَ التَّرَاضِي . فَصَارَ " بِعْت " وَنَحْوُهَا : لَفْظًا دَالًّا عَلَى الرِّضَى بِمَا فِي ضَمِيرِك .
فَيُقَدَّرُ وُجُودُهَا قَبْلَ اللَّفْظِ لِلضَّرُورَةِ . وَغَايَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا . وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ وَدَلِيلُ الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ : أَنَّ صِيغَةَ الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ
[ ص: 251 ] وَنَحْوِهِمَا ، مِمَّا اقْتَرَنَ مَعْنَاهُ بِوُجُودِ لَفْظِهِ ، نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَعْتَقْت وَطَلَّقْت وَفَسَخْت وَنَحْوِهَا مِمَّا يُشَابِهُ ذَلِكَ ، مِمَّا تُسْتَحْدَثُ بِهَا الْأَحْكَامُ إنْشَاءً ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ خَبَرًا لَكَانَ إمَّا عَنْ مَاضٍ أَوْ حَالٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ ، وَالْأَوَّلَانِ بَاطِلَانِ ، لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ لَا يَقْبَلَ الطَّلَاقُ وَنَحْوُهُ التَّعْلِيقَ . لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ شَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ ، وَالْمَاضِي وَالْحَالُ قَدْ وُجِدَا ، لَكِنَّ قَبُولَهُ التَّعْلِيقَ إجْمَاعٌ ، وَالْمُسْتَقْبَلُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَأُطَلِّقُ ، وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّتِهِ . وَأَيْضًا لَا خَارِجَ لَهَا ، وَلَا تَقْبَلُ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا . وَلَوْ كَانَتْ خَبَرًا لَمَا قَبِلَتْ تَعْلِيقًا ، لِكَوْنِهِ مَاضِيًا ; وَلِأَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ قَاطِعٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ طَلَّقْت إذَا قَصَدَ بِهِ الْوُقُوعَ وَطَلَّقْت إذَا قَصَدَ بِهِ الْإِخْبَارَ ( وَلَوْ قَالَ لِرَجْعِيَّةٍ : طَلَّقْتُك ، طَلُقَتْ ) عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لِلطَّلَاقِ . فَعَلَى هَذَا : لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ : أَنَّهُ أَرَادَ الْإِخْبَارَ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي وَجْهٍ وَإِنْ ادَّعَى مَاضِيًا ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ " أَنِّي مَتَى قُلْت فِي وَجْهٍ : كَانَ الْمُقَدَّمُ خِلَافَهُ " فَعُلِمَ مِنْهَا : أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تَطْلُقُ ، وَلَوْ قَالَ : أَرَدْت الْإِخْبَارَ . وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ ، وَكَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ الطَّلَاقِ الْمَاضِي ( وَ ) قَوْلُ الشَّاهِدِ ( أَشْهَدُ : إنْشَاءٌ تَضَمَّنَ إخْبَارًا ) عَمَّا فِي نَفْسِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ . وَقِيلَ : إنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ مَحْضٌ ; وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ ، قَالَ
ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ : الشَّهَادَةُ خَبَرٌ عَنْ عِلْمٍ . وَقَالَ
الرَّازِيِّ : قَوْلُهُ أَشْهَدُ إخْبَارٌ عَنْ الشَّهَادَةِ . وَهِيَ الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ الْمُسَمَّى بِكَلَامِ النَّفْسِ . وَقِيلَ : إنَّ ذَلِكَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ تَكْذِيبٌ شَرْعًا . وَإِلَيْهِ مَيْلُ
الْقَرَافِيُّ . وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } فَرَاجِعٌ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ ذَلِكَ شَهَادَةً ; لَا أَنَّهَا مَا وَاطَأَ فِيهَا الْقَلْبُ اللِّسَانَ . وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِاضْطِرَابِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ . فَقَائِلٌ بِأَنَّهَا إخْبَارٌ . كَمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ ، وَقَائِلٌ بِأَنَّهَا إنْشَاءٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَكْذِيبٌ شَرْعًا . فَالْقَائِلُ بِالثَّالِثِ - رَأَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ - لَهُ وَجْهٌ .
فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا . وَقَالَ
الْكُورَانِيُّ : إذَا أَرَدْت تَحْقِيقَ الْمَسْأَلَةِ ، فَاعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ دَلَالَةَ
[ ص: 252 ] الْأَلْفَاظِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالنَّفْسِ . فَإِنْ أُرِيدَ بِالْكَلَامِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ النِّسْبَةَ الْقَائِمَةَ بِالنَّفْسِ مُطَابِقَةٌ لِأُخْرَى خَارِجِيَّةٍ فِي أَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ .
فَالْكَلَامُ خَبَرٌ ، سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْخَارِجِيَّةُ قَائِمَةً بِالنَّفْسِ أَيْضًا ، كَعَلِمْتُ وَظَنَنْت .
أَوْ بِغَيْرِهِ كَخَرَجْتُ وَدَخَلْت ، وَإِنْ لَمْ يُرَدْ مُطَابَقَةُ تِلْكَ النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ لِأُخْرَى خَارِجِيَّةٍ . فَالْكَلَامُ إنْشَاءٌ . فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ : أَشْهَدُ بِكَذَا . لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ الْقَائِمَةَ بِنَفْسِهِ تُطَابِقُ نِسْبَةً أُخْرَى فِي أَحَدِ الْأَزْمِنَةِ ، بَلْ مُرَادُهُ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ ثُبُوتِ هَذِهِ النِّسْبَةِ . مِثْلُ : اضْرِبْ ، وَلَا تَضْرِبْ .
فَهُوَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ ، وَلَا يَرْجِعُ الصِّدْقُ وَلَا الْكَذِبُ إلَيْهِ ، وَكَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ خَبَرًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ إنْشَاءً مَحْضًا ; لِأَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ مُسْتَقِلَّةٌ بِحُكْمٍ ، وَلَوْ كَانَ كَوْنُ الشَّيْءِ مُتَضَمِّنًا لِآخَرَ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَحْضُ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَمْ يَبْقَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ قَطُّ إذْ قَوْلُك : اضْرِبْ . مُتَضَمِّنٌ لِقَوْلِك : الضَّرْبُ مِنْك مَطْلُوبٌ ، أَوْ أَطْلُبُ الضَّرْبَ مِنْك . وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُولُ بِهِ عَاقِلٌ . انْتَهَى .