الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه السابع عشر: أن يقال: لم قلت إن استئناف علم يحل ذات الأول بعد وجود المخلوق محال؟

وقولك: إنه يتعالى عن ذلك، فلا ريب أنه يتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

ومنازعك يقول: إنك أنت الظالم المفتري على الله، الذي سلبته صفات الكمال، ووصفته بصفة الجهل، وقلت فيه المحال، وألحدت في أسمائه وآياته إلحاد طائفتك الضلال.

وأما أهل الإثبات فوصفوه بصفات الكمال، ووافقوا صريح المنقول عن الأنبياء والمرسلين، وما فطر الله عليه عباده أجمعين، وما دلت عليه صرائح عقول الآدميين، ووصفوا ربهم بأنه يسمع كلامهم، ويرى أعيانهم، ويسمع سرهم ونجواهم.

وأنت وصفت رب العالمين بنقيض ذلك، ولم تجعل له علما سوى المخلوقات. والمخلوقات ليست علما باتفاق أهل الفطر السليمات، فتعالى الملك الحق عن قولك، وقول أمثالك المفترين الملحدين، أعداء الأنبياء، شياطين الإنس، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. [ ص: 77 ]

وأنت فليس لك دليل أصلا ينفي ذلك، فإن قيام ما يتعلق بمشيئته وقدرته بذاته، لا دليل لك على نفيه، إلا ما تنفي به الصفات، كما نفيت العلم.

ومعلوم أن هذا من أفسد أقوال الآدميين. وغاية ما تقوله أنت وأصحابك: إن ذلك يستلزم التكثر والتغير، وهما لفظان مجملان، فذاك لا يستلزم تكثر الآلهة، بل الرب إله واحد، وإنما يستلزم تكثر علمه وكلماته، وهذا حق، وهو من أعظم كمالاته.

وأما التغير، فليس المراد به استحالته، وإنما المراد أنه يتكلم بمشيئته وقدرته، ويحدث الحوادث بقدرته ومشيئته.

ومعلوم أن من كان قادرا على أن يفعل بمشيئته وقدرته ما شاء كان، أكمل ممن لا يقدر على فعل يختاره يفعل به المخلوقات، ولا كلام يتكلم به بمشيئته، ولا يرضى على من أطاعه، ولا يغضب على من عصاه.

وهم يعلمون أن الفعل الاختياري القائم بالفاعل صفة كمال، بل الحركة عندهم صفة كمال، فبأي دليل ينفون ذلك، مع تجويزهم حوادث لا أول لها، بل إيجابهم لذلك؟

التالي السابق


الخدمات العلمية