الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الإقرار بغصب شيء في شيء .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل غصبتك كذا في كذا يعتبر قوله في غير المغصوب ، وذلك مثل أن يقول غصبتك ثوبا أو عبدا أو طعاما في رجب سنة كذا فأخبر بالحين الذي غصبه فيه والجنس الذي أقر أنه غصبه إياه فكذلك إن قال غصبتك حنطة في بلد كذا أو في صحراء أو في أرض فلان أو في أرضك فيعني الذي أصاب الغصب أن الذي فيه غير الذي أقر أنه غصبه إياه إنما جعل الموضع الذي أصاب الغصب فيه دلالة على أنه غصبه فيه كما جعل الشهر دلالة على أنه غصب فيه كقولك غصبتك حنطة في أرض وغصبتك حنطة من أرض وغصبتك زيتا في حب وغصبتك زيتا من حب وغصبتك سفينة في بحر وغصبتك سفينة من بحر وغصبتك بعيرا في مرعى وغصبتك بعيرا من مرعى وبعيرا في بلد كذا ومن بلد كذا وغصبتك كبشا في خيل وكبشا من خيل يعني في جماعة خيل وغصبتك عبدا في إماء وعبدا من إماء يعني أنه كان مع إماء وعبدا في غنم وعبدا في إبل وعبدا من غنم وعبدا من إبل كقوله غصبتك عبدا في سقاء وعبدا في رحى ليس أن السقاء والرحى مما غصب ، ولكنه وصف أن العبد كان في أحدهما كما وصف أنه كان في إبل أو غنم .

وهكذا إن قال غصبتك حنطة في سفينة أو في جراب أو في غرارة أو في صاع فهو غاصب للحنطة دون ما وصف أنها كانت فيه وقوله في سفينة وفي جراب كقوله من سفينة وجراب لا يختلفان في هذا المعنى قال وهكذا لو قال غصبتك ثوبا قوهيا في منديل أو ثيابا في جراب أو عشرة أثواب في ثوب أو منديل أو ثوبا في عشرة أثواب أو دنانير في خريطة لا يختلف كل هذا قوله في كذا ومن كذا سواء فلا يضمن إلا ما أقر بغصبه لا ما وصف أن المغصوب كان فيه له . قال : وهكذا لو قال غصبتك فصا في خاتم أو خاتما في فص أو سيفا في حمالة أو حمالة في سيف ; لأن كل هذا قد يتميز من صاحبه فينزع الفص من الخاتم والخاتم من الفص ويكون السيف معلقا بالحمالة لا مشدودة إليه ومشدودة إليه فتنزع منه .

قال : وهكذا إن قال غصبتك حلية من سيف أو حلية في سيف ; لأن كل هذا قد يكون على السيف فينزع . قال : وهكذا إن قال غصبتك شارب سيف أو نعله فهو غاصب لما وصفت دون السيف ومثله لو قال غصبتك طيرا في قفص أو طيرا في شبكة أو طيرا في شناق كان غاصبا للطير دون القفص والشبكة والشناق ومثله لو قال غصبتك زيتا في جرة أو زيتا في زق أو عسلا في عكة أو شهدا في جونة أو تمرا في قربة أو جلة كان غاصبا للزيت دون الجرة والزق والعسل دون العكة والشهد دون الجونة والتمر دون القربة والجلة . وكذلك لو قال غصبتك جرة فيها زيت وقفصا فيه طير وعكة فيها سمن كان غاصبا للجرة دون الزيت والقفص دون الطير والعكة دون السمن ، ولا يكون غاصبا لهما معا إلا أن يبين يقول غصبتك عكة وسمنا وجرة وزيتا ، فإذا قال هذا فهو غاصب للشيئين .

والقول قوله إن قال غصبته سمنا في عكة أو [ ص: 246 ] سمنا وعكة لم يكن فيها سمن فالقول قوله في أي سمن أقر به ، وأي عكة أقر له بها ، وإذا قال غصبتك سرجا على حمار أو حنطة على حمار فهو غاصب للسرج دون الحمار والحنطة دون الحمار . وكذلك لو قال : غصبتك حمارا عليه سرج أو حمارا مسرجا كان غاصبا للحمار دون السرج ، وكذلك لو قال غصبتك ثيابا في عيبة كان غاصبا للثياب دون العيبة ، وهكذا لو قال غصبتك عيبة فيها ثياب كان غاصبا للعيبة دون الثياب .

التالي السابق


الخدمات العلمية