الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل

                                                                                                          والمعتاد من هذه الأعذار وهو حاجة الإنسان ( ع ) وطهارة الحدث ( ع ) والطعام والشراب ( ع ) والجمعة ، كما لا يبطل الاعتكاف ، فلا تنقص مدته ولا يقضي شيئا منه ، لأن الخروج له كالمستثنى ، لكونه معتادا ، ولا يلزمه كفارة ، وبقية الأعذار إن لم تطل ، فذكر الشيخ [ ص: 180 ] لا يقضي الوقت الفائت بذلك ، لكونه يسيرا مباحا أو واجبا ، كحاجة الإنسان ، ويوافقه كلام القاضي في الناسي ، في الفصل قبله ، وعلى هذا يتوجه : لو خرج بنفسه مكرها أن يخرج بطلانه على الصوم ، وإنما منعه صاحب المحرر لقضاء زمن الخروج فيه بالإكراه ، وفي الصوم يعتد بزمن الإكراه ، وظاهر كلام الخرقي وغيره أنه يقضي ، واختاره صاحب المحرر ( و ش ) كما لو طالت ( م 8 ) وذكر أن كلام الخرقي المذكور موهم ، وأنه لا يعلم به قائلا ، وأنه أراد البناء مع قضاء زمن الخروج ، قال : وكنذره اعتكاف يوم فخرج لبقية الأعذار وقد بقي منه زمن يسير ، كذا قال ، وظاهر كلام الشيخ خلافه ، كما لو خرج لحاجة الإنسان ، قال : وكالأجير مدة معينة لا تتناول العقد المعتاد ، بخلاف غيره ، كذا هنا ، والله أعلم .

                                                                                                          وإن تطاول ذلك والاعتكاف منذور فله أحوال : أحدها ، نذر أياما متتابعة غير معينة ، فيخير بين البناء والقضاء [ ص: 181 ] و م ش ) مع كفارة يمين ، لكون النذر حلفة ( م ش ) وبين الاستئناف بلا كفارة ( و ) كما قلنا فيمن نذر صوم شهر غير معين وشرع ثم أفطر لعذر ، وذكر في الرعاية : يبني ، وفي الكفارة الخلاف ، وقيل : أو يستأنفه إن شاء كذا قال .

                                                                                                          ومذهب ( هـ ) يلزم الاستئناف بعذر المرض ، كمذهبه في المرض في شهري الكفارة ، ويتخرج كقوله في مرض يباح الفطر به ، ولا يجب ، بناء على أحد الوجهين في انقطاع صوم الكفارة مما يبيح الفطر ولا يوجبه ووافقت الحنفية على عذر الحيض هنا وفي شهري الكفارة ، واختار في المجرد أن كل خروج لواجب كمرض لا يؤمن مع تلويث المسجد لا كفارة فيه ، وإلا ففيه الكفارة ، واختار الشيخ : تجب الكفارة إلا لعذر حيض ونفاس ، لأنه معتاد كحاجة الإنسان ، وضعفهما صاحب المحرر بأنا سوينا في نذر الصوم بين الأعذار ، وبأن زمن الحيض يجب قضاؤه لا زمن حاجة [ ص: 182 ] الإنسان ، كذا قال ، وظاهر كلام الشيخ : لا يقضي ، ولعله أظهر ويتوجه من قول القاضي هنا في الصوم ، ولا فرق ، والله أعلم .

                                                                                                          والثانية : نذر اعتكافا معينا فيقضي ما تركه ويكفر ، لتركه في النذر في وقته ، نص أحمد على الكفارة في الخروج لفتنة ، وذكره الخرقي فيها والخروج لنفير وعدة ، وذكره ابن أبي موسى في عدة ، وعن أحمد فيمن نذر صوم شهر بعينه فمرض فيه أو حاضت فيه المرأة في الكفارة مع القضاء روايتان ، والاعتكاف مثله ، هذا معنى كلام أبي الخطاب وغيره ، وقاله صاحب المحرر والمستوعب وغيرهما .

                                                                                                          قال : فيتخرج جميع الأعذار في الاعتكاف على روايتين عدم وجوب الكفارة ( و م ش ) كرمضان [ ص: 183 ] والفرق أن فطره لا كفاره فيه لعذر أو غيره ، ونقل المروذي وحنبل عدم الكفارة في الاعتكاف . وحمله صاحب المحرر على رواية عدم وجوبها في الصوم وسائر المنذورات ، وكلام القاضي والشيخ والحنفية هنا أيضا . وإن ترك اعتكاف الزمن المعين لعذر أو غيره قضاه متتابعا ( و م ش ) بناء على التتابع في الأيام المطلقة ، أو لأنه مقتضى لفظ الناذر ، لأنه المفهوم من الشهر المعين المطلق فتضمن نذره التتابع والتعيين ، والقضاء يحكى الأداء فيما يمكن ، وعنه : لا يلزمه التتابع إلا بشرطه أو بنيته ( و ش ) كرمضان ، وعند زفر وبعض الشافعية : لا يلزمه تتابع ولو شرطه ، لأن ذكره في المعين لغو ومذهب ( م ) لا يقضي معذور .

                                                                                                          فعلى المذهب الأول ما خرج عن المدة المعينة يقضيه متتابعا ( ش ) متصلا بها ( ش ) .

                                                                                                          الحالة الثالثة نذر أياما مطلقة ، فإن قلنا يجب التتابع على قول القاضي السابق فكالحالة الأولى ، وإن قلنا لا يجب تمم ما بقي عليه ، لكنه يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله ليكون متتابعا ولا كفارة عليه [ ص: 184 ] لإتيانه بالمنذور على وجهه .

                                                                                                          وقال صاحب المحرر : قياس المذهب يخير بين ذلك وبين البناء على بعض اليوم ، ويكفر ، وقياس مذهب ( ش ) يبني بلا كفارة .

                                                                                                          [ ص: 180 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 180 ] مسألة 8 ) قوله : والمعتاد من هذه الأعذار وهو حاجة الإنسان وطهارة الحدث والطعام والشراب والجمعة

                                                                                                          وبقية الأعذار إن لم تطل ، فذكر الشيخ لا يقضي الوقت الفائت بذلك ، لكونه يسيرا مباحا أو واجبا ويوافقه كلام القاضي في الناسي . وظاهر كلام الخرقي وغيره أنه يقضي ، واختاره صاحب المحرر ، كما لو طالت ، انتهى .

                                                                                                          ما اختاره الشيخ الموفق هو الصواب ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب واختاره أيضا الشارح وغيره . [ ص: 181 ] تنبيهان : الأول : قوله بعد هذه المسألة : ويتخرج كقول أبي حنيفة في مرض يباح الفطر به ولا يجب ، بناء على أحد الوجهين في انقطاع صوم الكفارة بما يبيح الفطر ولا يوجبه ، انتهى ، هذان الوجهان ليسا من الخلاف المطلق ، وإنما ذكر ذلك استشهادا ، والصحيح من المذهب أنه لا ينقطع التتابع ، قدمه المصنف وغيره في باب الظهر . [ ص: 182 ] ( الثاني ) قوله : " وظاهر كلام الشيخ لا يقضي ، ولعله أظهر " قال ابن نصر الله في حواشيه : صرح في المغني بأن الحائض إذا طهرت رجعت فأتمت اعتكافها وقضت ما فاتها ولا كفارة عليها ، نص عليه ، هذا لفظ بحروفه ، فكيف يقول : ظاهر كلام الشيخ لا يقضي ؟ انتهى .

                                                                                                          ( الثالث ) قوله : " فيتخرج جميع الأعذار في الكفارات في الاعتكاف على روايتين عدم وجوب الكفارة " صوابه روايتي عدم ، بإسقاط النون للإضافة .

                                                                                                          ( الرابع ) قوله فيما إذا نذر اعتكافا معينا وخرج وتطاول : يقضي ما تركه ويكفر ، لتركه النذر في وقته ، نص أحمد على الكفارة في الخروج لفتنة وذكره الخرقي فيها وفي الخروج لنفير وعدة ، وذكره ابن أبي موسى في عدة ، ثم قال المصنف : وعن أحمد فيمن نذر صوم شهر بعينه فمرض فيه أو حاضت فيه المرأة في الكفارة مع القضاء روايتان ، والاعتكاف مثله ، هذا معنى كلام أبي الخطاب وغيره .

                                                                                                          وقال صاحب [ ص: 183 ] المحرر والمستوعب وغيرهما ، قال : فيتخرج جميع الأعذار في الاعتكاف على روايتين عدم وجوب الكفارة كرمضان ، انتهى ، الصحيح من المذهب وجوب الكفارة في الجميع مع القضاء وعليه أكثر الأصحاب ، وقد قدمه المصنف ، ونص أحمد على وجوب الكفارة في الخروج لأجل الفتنة ، والخرقي فيها وفي النفير والعدة ، وليست هذه المسألة مما نحن بصدده ، ولكن المصنف استشهد بما يعطي أن المسألة على روايتين في المذهب ، والله أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية