الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه تعالى حكى عن المنافقين في هذه الآية نوعا آخر من الأعمال الفاسدة ، وهو أنه إذا جاءهم الخبر بأمر من الأمور سواء كان ذلك الأمر من باب الأمن أو من باب الخوف أذاعوه وأفشوه ، وكان ذلك سبب الضرر من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن مثل هذه الإرجافات لا تنفك عن الكذب الكثير .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه إن كان ذلك الخبر في جانب الأمن زادوا فيه زيادات كثيرة ، فإذا لم توجد تلك الزيادات أورث ذلك شبهة للضعفاء في صدق الرسول عليه السلام ، لأن المنافقين كانوا يروون تلك الإرجافات عن الرسول ، وإن كان ذلك في جانب الخوف تشوش الأمر بسببه على ضعفاء المسلمين ، ووقعوا عنده في الحيرة والاضطراب ، فكانت تلك الإرجافات سببا للفتنة من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثالث : وهو أن الإرجاف سبب لتوفير الدواعي على البحث الشديد والاستقصاء التام ، وذلك سبب لظهور الأسرار ، وذلك مما لا يوافق مصلحة المدينة .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أن العداوة الشديدة كانت قائمة بين المسلمين وبين الكفار ، وكان كل واحد من الفريقين في إعداد آلات الحرب وفي انتهاز الفرصة فيه ، فكل ما كان أمنا لأحد الفريقين كان خوفا للفريق الثاني ، فإن وقع خبر الأمن للمسلمين وحصول العسكر وآلات الحرب لهم أرجف المنافقون بذلك فوصل الخبر في أسرع مدة إلى الكفار ، فأخذوا في التحصن من المسلمين ، وفي الاحتراز عن استيلائهم عليهم ، وإن وقع خبر الخوف للمسلمين بالغوا في ذلك ، وزادوا فيه وألقوا الرعب في قلوب الضعفة والمساكين ، فظهر من هذا أن ذلك الإرجاف كان منشأ للفتن والآفات من كل الوجوه ، ولما كان الأمر كذلك ذم الله تلك الإذاعة وذلك التشهير ، ومنعهم منه .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن قوله : أذاعه وأذاع به لغتان .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية