الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي فرض الله عز وجل ، وعنه قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إذا استلج أحدكم باليمين في أهله فإنه آثم له عند الله من الكفارة التي أمر بها .

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث السابع وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي فرض الله عز وجل ، وعنه قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إذا استلجج أحدكم باليمين في أهله فإنه آثم له عند الله من الكفارة التي أمر بها (فيه) فوائد .



                                                            الحديث السابع :

                                                            وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي فرض الله عز وجل ، وعنه قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إذا استلجج أحدكم باليمين في أهله فإنه آثم له عند الله من الكفارة التي أمر بها . (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه باللفظ الأول الشيخان من هذا الوجه فرواه البخاري عن إسحاق بن إبراهيم ، ومسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق وأخرجه ابن ماجه باللفظ الثاني إلا أنه قال في اليمين ولم يقل في أهله من طريق محمد بن حميد المعمري كلاهما عن معمر عن همام عن أبي هريرة ، وأخرجه البخاري وابن ماجه من طريق يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن أبي هريرة بلفظ من استلج في أهله بيمين فهو أعظم إثما ليبر يعني الكفارة ، ولم يسق ابن ماجه لفظه بل قال إنه نحو ما تقدم .

                                                            (الثانية) قوله (لأن) بفتح اللام ، وهي لام القسم ، وقوله (يلج) بفتح الياء واللام وتشديد الجيم أي يتمادى في يمينه ويصر عليها ويمتنع من الحنث فيها ، وقوله في الرواية الثانية (استلجج) هو استفعال منه ، وفي رواية (استلج) بتشديد الجيم والإدغام وهي أشهر ، وروايتنا هذه جاءت بالفك وإظهار الإدغام ، وهي لغة قريش يظهرونه مع الجزم قاله في النهاية ، وهو من اللجاج بفتح الجيم ، وهو التمادي [ ص: 164 ] على الشيء والإصرار عليه يقال لججت في الأمر بكسر الجيم الأولى ألج بفتح اللام ، ولججت بفتح الجيم ألج بكسر اللام لججا ولجاجا ولجاجة ذكره في المحكم ، وقوله في أهله يريد أن تلك اليمين تتعلق بأهله ، ويتضررون بعدم حنثه فيها ، وقوله (آثم) بالمد أوله أي أكثر إثما أو أقرب إلى الإثم ، ومعنى الحديث أن تمادي الحالف على يمينه وامتناعه من الحنث مع تضرر أهله ببقائه عليها شر من حنثه مع قيامه بالكفارة فإن هذا فيه ضرر ، وذلك لا ضرر فيه ، وجاء قوله آثم على لفظ المفاعلة المقتضية للاشتراك في الإثم لأنه قصد مقابلة اللفظ على زعم الحالف وتوهمه فإنه يتوهم أن عليه إثما في الحنث مع أنه لا إثم عليه فقال عليه الصلاة والسلام الإثم عليه في اللجاج أكثر لو ثبت الإثم ، وحكى صاحب النهاية في معنى الحديث قولا آخر ، وهو أن يرى أنه صادق في يمينه مصيب فيلج فيها ، ولا يكفرها ، والمشهور في معناه الأول ، وهو الصحيح ، والله أعلم .



                                                            (الثالثة) فيه أن الحنث في اليمين أفضل من الإقامة عليها إذا كان فيه مصلحة ، وقد ذكر أصحابنا أن اليمين تنعقد على الأحكام الخمسة فعلا وتركا ؛ ولا تغير حكم المحلوف عليه فإنحلف على فعل واجب أو ترك حرام فيمينه طاعة والإقامة عليها واجبة ، والحنث معصية ، وتجب به الكفارة ، وإذا حلف على ترك واجب أو فعل حرام فيمينه معصية ، ويجب عليه أن يحنث ويكفر ، وإن حلف على فعل نفل كصلاة تطوع ، وصدقة تطوع فالإقامة عليها طاعة ، والمخالفة مكروهة ، وإن حلف على ترك نفل فاليمين مكروهة ، والإقامة عليها مكروهة ، والسنة أن يحنث ، وعد الشيخ أبو حامد ، وجماعة من هذا القبيل ما إذا حلف لا يأكل طيبا ، ولا يلبس ناعما ، وقال اليمين عليه مكروهة لقوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق واختار القاضي أبو الطيب أنها يمين طاعة لما عرف من اختيار السلف خشونة العيش قال ابن الصباغ يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وقصودهم وفراغهم للعبادة واشتغالهم بالضيق والسعة ، وقال الرافعي والنووي ، وهذا أصوب .



                                                            وإن حلف على مباح لا يتعلق به مثل هذا الغرض كدخول دار وأكل طعام ، ولبس ثوب ، وتركها فله أن يقيم على اليمين ، وله أن يحنث ، وهل الأفضل الوفاء باليمين أم الحنث أم يتخير بينهما [ ص: 165 ] ولا ترجيح كما كان قبل اليمين (فيه أوجه) أصحها الأول لقوله تعالى ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ولما فيه من تعظيم اسم الله تعالى إذا علمت ذلك فإن كان الحديث في حلفه واجب كالإنفاق على الزوجة ، ونحو ذلك فالحنث واجب ، وإن كان على ترك مندوب كالإنفاق على الأقارب الذين لا تلزمه نفقتهم فالحنث مستحب والإقامة على اليمين مكروهة كما تقدم ، وإن كان على مباح فقد عرفت الخلاف فيه ، وقد يستدل به من يذهب إلى أن الحنث أفضل ، وقد يقال لا يتصور فيه مع تعلقه بالأهل استواء طرفيه لأن ذلك إنما يكون في الحلف على ترك منفعة لهم أو جلب ضرر لهم ، وعلى التقديرين فالحنث فيه مطلوب .

                                                            وأما لو حلف على ترك المبيت في بيت مخصوص ، وكان لا يحصل لأهله بذلك ضرر ، ولا نفع فلا يتناوله لفظ الحديث حتى يستدل به على مسألة الخلاف عند أصحابنا ، ولا يخفى أن الحديث فيما إذا لم يكن الحنث معصية ، ولو تضرر أهله ببقائه على اليمين فإن بقاءه عليها واجب ، ولا يفعل مصلحة أهله بمعصية الله تعالى .



                                                            (الرابعة) إن قلت كيف قابل في الحديث بين البقاء على مقتضى اليمين وإعطاء الكفارة ، وإنما المقابلة بين البقاء على اليمين والحنث فيها (قلت) لما كان وجوب الكفارة لازما للحنث عبر به عن الحنث من إطلاق اللازم على الملزوم ، وأشير بذكر الكفارة إلى أنها جابرة للحنث رافعة لمفسدة هتك حرمة الإثم فإذا قابلنا بين بقائه على مقتضى اليمين مع ما فيه من الضرر وبين إيجاب الكفارة وانتفاع الآخذين بها الناشئ عن الحنث ، وجدنا إعطاء الكفارة أعظم مصلحة وأتم نفعا ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني .

                                                            (الخامسة) لا يخفى أن ذكر الأهل خرج مخرج الغالب في أن نفع الإنسان وضرره إنما يعود على أهله فلو عاد ذلك على غير أهله كان حكمه حكم ما لو عاد عليهم ، وقد يتناول جميع ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الحديث المتقدم .

                                                            (السادسة) فيه إيجاب الكفارة بتقدير الحنث لقوله في الرواية الأولى التي فرض الله ، وفي الثانية التي أمر بها ، وهو بضم الهمزة على البناء للمفعول ، وقوله التي فرض الله كذا في [ ص: 166 ] روايتنا ، وهو في الصحيحين بلفظ فرض الله عليه ، ولا يمكن تقدير عليه في روايتنا لأن حذف العائد المجرور في مثل هذا ممتنع بل التقدير فرضها الله لأن حذف العائد المنصوب في مثل هذا جائز .




                                                            الخدمات العلمية