الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الخامس في العاقلة ومن عليه الدية ، وفي جناية الرقيق

                                                                                                                                                                        قد سبق عند ذكر جهات تخفيف الدية وتغليظها ، أن الدية في العمد على الجاني ، وفي شبه العمد والخطأ على العاقلة ؛ وسواء في العمد كان موجبا للدية ابتداء كقتل الأب الابن ، أم كان موجبا للقصاص ، ثم عفي على الدية . ولا تحمل العاقلة أيضا دية الأطراف في [ ص: 349 ] جناية العمد ، ثم بدل العمد يجب حالا على قياس أبدال المتلفات ، وبدل شبه العمد والخطأ ، يجب مؤجلا ، وفي الباب أطراف : الأول في بيان العاقلة ، والثاني : في صفتهم ، والثالث : في كيفية الضرب عليهم ؛ وهذه الأطراف مختصة بجناية الحر ، والرابع : في جناية الرقيق .

                                                                                                                                                                        أما العاقلة فجهات التحمل ثلاث : القرابة والولاء وبيت المال ، وليست المحالفة والموالاة من جهات التحمل . ولا يتحمل الحليف ولا العديد الذي لا عشيرة له ؛ فيدخل نفسه في قبيلة ليعد منها . ولا يتحمل أيضا عندنا أهل الديوان بعضهم عن بعض بمجرد ذلك ؛ أما جهة القرابة ؛ فإنما يتحمل منها من كان على حاشية النسب وهم الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم . وأما أبو الجاني وأجداده وبنوه وبنو بنيه ؛ فلا يتحملون ؛ لأنهم أبعاضه وأصوله ؛ فلم يتحملوه ، كما لا يتحمل الجاني .

                                                                                                                                                                        وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية مقتولة على عاقلة القاتلة ، وبرأ زوجها والولد ، وفي الحديث الآخر قال لرجل معه ابنه : " لا يجني عليك ولا تجني عليه " أي : لا يلزمك موجب جنايته ، ولا يلزمه موجب جنايتك .

                                                                                                                                                                        فلو جنت امرأة ولها ابن هو ابن ابن عمها ؛ لم يتحمل على الأصح ؛ لأن البنوة مانعة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يقدم أقرب العصبات فأقربهم . ومعنى التقديم : أن ينظر في الواجب عند آخر الحول ، وفي الأقربين فإن كان فيهم وفاء إذا وزع الواجب عليهم لقلة الواجب أو لكثرتهم ، وزع عليهم ولا يشاركهم من بعدهم وإلا فيشاركهم في التحمل من بعدهم ثم الذين يلونهم .

                                                                                                                                                                        والمقدم من العاقلة الإخوة ثم بنوهم وإن سفلوا ، ثم الأعمام ثم بنوهم ، ثم أعمام الأب ثم بنوهم ، ثم أعمام الجد ثم بنوهم على ما سبق في الميراث . وهل يقدم من [ ص: 350 ] يدلي من هؤلاء بالأبوين على المدلي بالأب كالأخ من الأبوين مع الأخ من الأب أم يستويان ؟ قولان : الجديد الأظهر تقديمه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ذوو الأرحام لا يتحملون ، قال المتولي : إلا إذا قلنا بتوريثهم فيتحملون عند عدم العصبات كما يرثون عند عدمهم ، ولا تحمل بالزوجية بحال .

                                                                                                                                                                        الجهة الثانية : الولاء ؛ فإذا لم يكن للجاني عصبة نسب ، أو كانوا ولم يف التوزيع عليهم يحمل معتقه ؛ فإن لم يكن ، أو فضل عنه شيء ، تحمل عصبته من النسب ؛ فإن لم يكونوا أو فضل شيء ؛ تحمل معتق المعتق ، ثم عصباته ، ولا يدخل في عصبة المعتق ابنه وأبوه على الأصح .

                                                                                                                                                                        وقيل : يدخل لفقد البعضية بينه وبين الجاني ، ويجري الوجهان في ابن معتق المعتق وأبيه ؛ فإن لم يوجد من له نعمة الولاء على الأب الجاني ولا أحد من عصباته ؛ تحمل معتق الأب ثم عصباته ، ثم معتق معتق الأب ثم عصباته ؛ فإن لم يوجد من له نعمة الولاء على الأب ؛ تحمل معتق الجد ثم عصباته كذلك إلى حيث ينتهي .

                                                                                                                                                                        واللقيط الذي لا يعرف نسبه لو ادعاه رجل ، أو بلغ وانتسب إلى ميت واعترف به ورثته ، يثبت نسبه ، وتؤخذ دية جنايته من عصباته ؛ فإن قامت بينة بأنه من قبيلة أخرى ؛ فالحكم للبينة .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        سيأتي إن شاء الله تعالى أن المرأة لا تتحمل العقل بحال ؛ فلو أعتقت عبدا لم تحمل عقله ؛ وإنما يحمله من يحمل دية جنايتها ؛ كما يزوج عتيقها من يزوجها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 351 ] فرع

                                                                                                                                                                        أعتق جماعة عبدا ؛ فجنى خطأ ، حملوا عنه حمل شخص واحد ؛ لأن الولاء لجميعهم لا لكل واحد ؛ فإن كانوا أغنياء فالمضروب على جميعهم نصف دينار ، وإن كانوا متوسطين ؛ فربع ، وإن كانوا بعضا وبعضا ؛ فعلى الغني حصته من النصف وعلى المتوسط حصته من الربع ، ولو كان المعتق واحدا ومات عن إخوة مثلا ، ضرب على كل واحد حصته تامة من نصف دينار أو ربعه ، ولا يقال : يوزع عليهم ما كان الميت يحمله ، لأن الولاء لا يتوزع عليهم توزعه على الشركاء ، ولا يرثون الولاء من الميت ، بل يرثون به . ولو مات واحد من الشركاء المعتقين ، أو جميعهم ؛ حمل كل واحد من عصباته مثل ما كان يحمله الميت وهو حصته من نصف أو ربع ؛ لأن غايته نزوله منزلة ذلك الشريك .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا ضربنا على المعتق ؛ فبقي شيء من الواجب ؛ فهل يضرب على عصباته في حياته ؟ نقل الإمام والغزالي المنع إذ لا حق لهم في الولاء ولا بالولاء في حياته .

                                                                                                                                                                        وتردد الإمام فيما لو لم يبق المعتق وضربنا على عصبته ؛ فهل يخص بالأقربين ؛ لأنهم أهل الولاء والإرث ، أم يتعدى إلى الأباعد كعصبة الجاني ؟ ورجح الاحتمال الثاني وجزم به الغزالي ، وصرح صاحبا " الشامل " و " التتمة " وغيرهما بالضرب عليهم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية