الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( فائدة ) أعمال القلوب وطاعتها مصونة من الرياء ، إذ لا رياء إلا بأفعال ظاهرة ترى أو تسمع . والتسميع عام لأعمال القلوب والجوارح .

وكذلك الصوم لا يظهر غالبا بالرياء والتسميع ، لأنه عبادة ووزره مختلف باختلاف شرف المرائي به فأشرف ما يرائي به أشد وزرا مما دونه ، فإن الرياء مفسدة وإفساد الأشرف أقبح من إفساد الشريف . وليس حب الرياء ولا غيره من جميع المعاصي معصية ، فإن أطلق عليه اسم الرياء كان ذلك مجازا من تسمية السبب باسم المسبب ، وكل شيء حرمه الله تعالى فلا يأثم مشتهيه بشهوته ، وإنما يأثم بعزمه عليه وإرادته ، ثم بملابسته . وكل ما تكرهه الطباع ، وتنفر منه القلوب والأسماع ، من الخيور والشرور فلا إثم على كراهيته ولا النفور منه ، وإنما الإثم على فعله إن كان قبيحا أو تركه إن كان حسنا . فشهوة الرياء والشكر ، وقهر الأقران وإضرار الأعداء لا إثم فيها لخروجها عن قدرة المكلف ، ولتعذر الانفكاك منها والانفصال عنها ، ومن استعمل شيئا من المحبوبات في غير بابه فقد أخطأ وزل . وعلى المرء أن يجاهد طبعه ويخالف فيما يدعو إليه من ترك المأمورات [ ص: 149 ] واجتناب المنهيات ، والموفق من أعين على ذلك ، فمن أسعده الله حبب إليه الطاعة والإيمان ، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان . واعلم أنه لا أدب كأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا خلق كأخلاقه فمن وفقه الله أعانه على أخلاقه والاقتداء به ليتخلق منه بما يقدر عليه ويصل إليه ، وما من أحد إلا وقد هم ولم فيا سعادة من اقتدى به ، واستسن بسيرته وأخذ بطريقته ، وامتلأ قلبه من محبته ، في دق ذلك كله وجله وكثره وقله : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ، وإن تطيعوه تهتدوا ، { ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } ، وكيف لا يكون كذلك وقد قال ، تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } . وكان خلقه الممدوح بالعظمة واتباع القرآن ، القرآن مشتمل على الأمر باتباعه صلى الله عليه وسلم فيما جاء من كتاب أو سنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية