الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 517 ] مسألة : ولا يحل التأني في إنفاذ الحكم إذا ظهر - وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابنا .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : إذا طمع القاضي أن يصطلح الخصمان فلا بأس أن يردهما المرة والمرتين ، فإن لم يطمع في ذلك فصل القضاء .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : لا بأس بترديد الخصوم ، ثم رأى أن يجعل للمشهود عليه أو المدعي بينة غائبة : أجل ثمانية أيام ، ثم ثمانية أيام ، ثم ثمانية أيام ، ثم تلزم ثلاثة أيام ، فذلك ثلاثون يوما - لا يعد في الثمانية يوم تأجيل الحاكم .

                                                                                                                                                                                          قال علي : أما قول أبي حنيفة ففاسد ; لأنه لا فرق بين ترديد مرتين وترديد ثلاث مرار أو أربع ، وهكذا ما زاد إلى انقضاء العمر ، وإلا ف { هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } .

                                                                                                                                                                                          وأما قول مالك - فما نعلم أحدا قاله قبله مع عظيم فساده ، لأنه لا فرق بين تأجيل ثلاثين يوما ، وبين تأجيل شهرين أو ثلاثة أو أربعة ، أو عام ، أو عامين ، أو أربعة أعوام - وما الفرق بين من ادعى بينة على نصف شهر وبين من ادعاها بخراسان ، وهو بالأندلس أو ادعاها بالأندلس ، وهو بخراسان ، وهل هو إلا التحكم بالباطل ؟ قال أبو محمد : واحتج بعضهم بالرواية عن عمر : رددوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن .

                                                                                                                                                                                          قال علي : هذا لا يصح عن عمر ; لأن أحسن طرقه : محارب بن دثار أن عمر - ومحارب لم يدرك عمر - .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح لما كان فيه حجة ; لأنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ الله أن يصح هذا عن عمر ; لأن فيه المنع جملة من إنفاذ الحق ; لأن علة توريث الضغائن موجودة في ذلك أبدا ، فإن وجب أن يراعى وجب ذلك أبدا ، وإن لم يجب أن يراعى فلا يجب ذلك طرفة عين ، وعلى كل حال فقد خالفوه ، لأنه لم يحد شهرا ولا شهرين .

                                                                                                                                                                                          وفي الرسالة المكذوبة عن عمر : اجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه [ ص: 518 ] فإن أحضر بينته إلى ذلك الأمد : أخذت له بحقه ، وإلا أوجبت عليه القضاء ، فإنه أبلغ للعذر وأجلى للعمى .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا لا يصح عن عمر ، وعلى كل حال فقد خالفه مالك ; لأن عمر لم يحد في ذلك شهرا - ولا أقل ولا أكثر - وهذا كله لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رد خصوما بعد ما ظهر الحق بل قضى بالبينة على الطالب ، وألزم المنكر اليمين في الوقت وأمر المقر بالقضاء في الوقت .

                                                                                                                                                                                          وقال الله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط }

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } .

                                                                                                                                                                                          فمن حكم بالحق حين يبدو إليه فقد قام بالقسط ، وأعان على البر والتقوى وسارع إلى مغفرة من ربه ، ومن تردد في ذلك ، فلم يسارع إلى مغفرة من ربه ولا قام بالقسط ، ولا أعان على البر والتقوى .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية