الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل وقد اتفق العلماء على أن العبادة المقصودة لنفسها كالصلاة والصيام والحج لا تصح إلا بنية وتنازعوا في الطهارة مثل من يكون عليه جنابة فينساها ويغتسل للنظافة فقال مالك والشافعي وأحمد : النية [ ص: 258 ] شرط لطهارة الأحداث كلها وقال أبو حنيفة : لا تشترط في الطهارة بالماء بخلاف التيمم وقال زفر لا تشترط لا في هذا ولا في هذا وقال بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد : تشترط لإزالة النجاسة وهذا القول شاذ فإن إزالة النجاسة لا يشترط فيها عمل العبد بل تزول بالمطر النازل والنهر الجاري ونحو ذلك فكيف تشترط لها النية وأيضا فإن إزالة النجاسة من باب التروك لا من باب الأعمال ولهذا لو لم يخطر بقلبه في الصلاة أنه مجتنب النجاسة صحت صلاته إذا كان مجتنبا لها ولهذا قال مالك وأحمد في المشهور عنه والشافعي في أحد قوليه : لو صلى وعليه نجاسة لم يعلم بها إلا بعد الصلاة لم يعد ; لأنه من باب التروك وقد ذكر الله عن المؤمنين قولهم : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن الله تعالى قال قد فعلت } فمن فعل ما نهي عنه ناسيا أو مخطئا فلا إثم عليه بخلاف من ترك ما أمر به كمن ترك الصلاة فلا بد من قضائها .

                ولهذا فرق أكثر العلماء في الصلاة والصيام والإحرام بين من فعل المحظور ناسيا وبين من ترك الواجب ناسيا كمن تكلم في الصلاة ناسيا ومن أكل في الصيام ناسيا ومن تطيب أو لبس ناسيا في الإحرام والذين يوجبون النية في طهارة الأحداث يحتجون بهذا الحديث على [ ص: 259 ] أبي حنيفة وأبو حنيفة يسلم أن الطهارة غير المنوية ليست عبادة ولا ثواب فيها وإنما النزاع في صحة الصلاة بها فقوله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " لا يدل على محل النزاع إلا إذا ضمت إليه مقدمة أخرى وهو أن الطهارة لا تكون إلا عبادة والعبادة لا تصح إلا بنية وهذه المقدمة إذا سلمت لم تحتج إلى الاستدلال بهذا فإن الناس متفقون على أن ما لا يكون إلا عبادة لا يصح إلا بنية بخلاف ما يقع عبادة وغير عبادة كأداء الأمانات وقضاء الديون .

                وحينئذ فالمسألة مدارها على أن الوضوء هل يقع غير عبادة ؟ والجمهور يحتجون بالنصوص الواردة في ثوابه كقوله : { إذا توضأ العبد المسلم خرجت خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء } وأمثال ذلك فيقولون : ففيه الثواب لعموم النصوص والثواب لا يكون إلا مع النية فالوضوء لا يكون إلا بنية .

                وأبو حنيفة يقول : الطهارة شرط من شرائط الصلاة فلا تشترط لها النية كاللباس وإزالة النجاسة وأولئك يقولون : اللباس والإزالة يقعان عبادة وغير عبادة ولهذا لم يرد نص بثواب الإنسان على جنس اللباس والإزالة وقد وردت النصوص بالثواب على جنس الوضوء .

                وأبو حنيفة يقول : النصوص وردت بالثواب على الوضوء المعتاد [ ص: 260 ] وعامة المسلمين إنما يتوضئون بالنية والوضوء الخالي عن النية نادر لا يقع إلا لمثل من أراد تعليم غيره ونحو ذلك والجمهور يقولون : هذا الوضوء الذي اعتاده المسلمون هو الوضوء الشرعي الذي تصح به الصلاة وما سوى هذا لا يدخل في نصوص الشارع كقوله صلى الله عليه وسلم { لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ } فإن المخاطبين لا يعرفون الوضوء المأمور به إلا الوضوء الذي أثنى عليه وحث عليه وغير هذا لا يعرفونه فلا يقصد إدخاله في عموم كلامه ولا يتناوله النص .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية