الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            [ ص: 338 ] 42 - 9 - باب جامع في البعث .

                                                                                            18351 وعن لقيط بن عامر : أنه خرج وافدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه صاحب له يقال له : نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق . قال لقيط : خرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لانسلاخ رجب ، فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف من صلاة الغداة ، فقام في الناس خطيبا ، فقال : " أيها الناس ، إني خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام لأسمعكم ، ألا فهل من امرئ بعثه قومه ؟ " . فقالوا : اعلم لنا ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . " ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه ، أو حديث صاحبه ، أو يلهيه الضلال ، ألا إني مسئول : هل بلغت ؟ ألا اسمعوا تعيشوا ، ألا اجلسوا ، ألا اجلسوا " . فجلس الناس . فقمت أنا وصاحبي ، حتى إذا فرغ لنا فؤداه وبصره قلت : يا رسول الله ، ما عندك من علم الغيب ؟ فضحك لعمر الله ، وهز رأسه ، وعلم أني أبتغي لسقطه ، قال : " ضن ربك - عز وجل - بمفاتيح الخمس من الغيب ، لا يعلمها إلا الله " . وأشار بيده ، قلت : وما هي ؟ قال : " علم المنية ، وقد علم متى منية أحدكم ، ولا تعلمونه وعلم المني حين يكون في الرحم قد عمله ولا تعلمون ، وعلم ما في غد وما أنت طاعم ولا تعلمه ، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مشفقين ، فيظل يضحك ، قد علم أن غيركم إلي قريب " . قال لقيط : لن نعدم من رب يضحك خيرا . " وعلم يوم الساعة " . قلت : يا رسول الله ، علمنا مما تعلم الناس ، فإنا من قوم لا يصدقون تصديقنا أحدا من مذحج التي تربو علينا ، وخثعم التي توالينا ، وعشيرتنا التي نحن منها . قال : " تلبثون ما لبثتم ، ثم يتوفى نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ثم تلبثون ما لبثتم ، ثم تبعث الصائحة لعمر إلهك ، ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات ، والملائكة الذين مع ربك - عز وجل - وأصبح ربك - عز وجل - يطيف في الأرض ، وخلت عليه البلاد ، فأرسل ربك - عز وجل - السماء بهضب من عند العرش ، فلعمر إلهك ، ما تدع على ظهرها من مصدع قتيل ، ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى تخلقه من عند رأسه ، فيستوي جالسا يقول ربك : مهيم لما كان فيه ، يقول : يا رب ، أمس اليوم لعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله " . فقلت : يا رسول الله ، كيف يجمعنا بعد ما تمزقنا الرياح ، والبلى ، والسباع ؟ ! قال : " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ، والأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية . فقلت : لا تحيا أبدا ، ثم أرسل ربك - عز وجل - السماء فلم تلبث عليك [ ص: 339 ] إلا أياما حتى أشرفت عليها وهي شربة واحدة ، ولعمر إلهك ، لهو قادر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض ، فتخرجون من الأضواء ومن مصارعكم ، فتنظرون الله وينظر إليكم " . قال : قلت : يا رسول الله ، فكيف ونحن ملء الأرض ، وهو شخص واحد ننظر إليه وينظر إلينا؟ قال : " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ، الشمس والقمر آية منه صغيرة ، ترونهما ويريانكم ساعة واحدة، لا تضارون في رؤيتهما ، ولعمر إلهك ، لهو أقدر على أن يراكم وتروه منهما أن تروهما ويرياكم لا تضارون في رؤيتهما " . قلت : يا رسول الله ، فما يفعل بنا ربنا - عز وجل - إذا لقيناه ؟ قال : " تعرضون عليه بادية صحائفكم ، لا تخفى منكم خافية ، فيأخذ ربك - عز وجل - بيده غرفة من الماء فينضح قبلكم بها ، فلعمر إلهك ، ما يخطئ وجه أحد منكم منها قطرة ، فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء ، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحميم الأسود ، ألا ثم ينصرف نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ويفرق على أثره الصالحون ، فيسلكون جسرا من النار ، فيطأ أحدكم الجمرة ، فيقول : حس ، فيقول ربك - عز وجل - : أو إنه فتطلعون على حوض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أظمإ والله ناهلة عليها قط ما رأيتها ، فلعمر إلهك ، ما يبسط أحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف ، والبول ، والأذى ، وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا " .

                                                                                            قلت : يا رسول الله ، فبم نبصر ؟ قال : " بمثل بصرك ساعتك هذه ، وذلك قبل طلوع الشمس في يوم أشرقته الأرض ، واجهت به الجبال " . قلت : يا رسول الله ، فبم نجزى من سيئاتنا وحسناتنا؟ قال : " الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها ، إلا أن يعفو " . قال : قلت : يا رسول الله ، إما الجنة إما النار ؟ قال : " لعمر إلهك ، للنار سبعة أبواب ، ما منها باب إلا يسير الراكب بينها سبعين عاما " . قلت : يا رسول الله ، فعلى ما نطلع من الجنة ؟ قال : " على أنهار من عسل مصفى ، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وماء غير آسن ، وبفاكهة لعمر إلهك ، ما تعلمون ، وخير من مثله معه وأزواج مطهرة " . قلت : يا رسول الله ، ولنا فيها أزواج ، أو منهن مصلحات ؟ قال : " الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا ، ويلذذن بكم ، غير أن لا توالد " . قال لقيط : فقلت : أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه ؟ فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم قال : قلت : يا رسول الله ، علام أبايعك ؟ قال : فبسط النبي - صلى الله عليه وسلم - يده وقال : " على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وزيال المشركين ، وألا تشرك بالله إلها غيره " . قال : قلت : وإن لنا ما بين المشرق والمغرب ؟ فقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - يده وبسط أصابعه ، وظن أني مشترط شرطا [ ص: 340 ] لا يعطينيه ، قال : قلت : نحل منها حيث شئنا ، ولا يجني على امرئ إلا نفسه ؟ فبسط يده ، وقال : " ذلك لك ، تحل حيث شئت ولا تجني عليك إلا نفسك " . قال : فانصرفنا ثم عنه، وقال : " ها إن ذين لعمر إلهك ، إن حدثت ألا إنهم من أتقى الناس في الأولى والآخرة " . فقال له كعب بن الخدارية - أحد بني كعب بن كلاب - : من هم يا رسول الله ؟ قال : " بنو المنتفق أهل ذلك " . قال : فانصرفنا ، وأقبلت عليه ، قلت : يا رسول الله ، هل لأحد فيما مضى من خير في جاهليتهم ؟ قال : فقال رجل من عرض قريش : والله إن أباك المنتفق في النار ، قال : فلكأنما وقع حر بين جلدي ووجهي ولحمي مما قال لأبي على رءوس الناس ، فهممت أن أقول : وأبوك يا رسول الله ؟ فإذا الأخرى أجهل . فقلت : يا رسول الله ، وأهلك ؟ قال : " وأهلي لعمر الله ، ما أتيت على قبر عامري ، أو قرشي من مشرك. فقلت : أرسلني إليك محمد أبشرك بما يسوءك تجر على وجهك وبطنك في النار " . قلت : يا رسول الله ، ما فعل بهم ذلك ، وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه ، وكانوا يحسبون أنهم مصلحون ؟ قال : " ذاك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم - يعني نبيا - فمن عصى نبيه كان من الضالين ، ومن أطاع نبيه كان من المهتدين "
                                                                                            . رواه عبد الله ، والطبراني بنحوه ، وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل ، ورجالها ثقات ، والإسناد الآخر، وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط : أن لقيطا .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية