الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب جواز المسح على العمامة .

                                                                                                                                            199 - - ( عن { عمرو بن أمية الضمري قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه . } رواه أحمد والبخاري وابن ماجه ) . [ ص: 208 ]

                                                                                                                                            200 - ( وعن بلال قال : { مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين والخمار . } رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود وفي رواية لأحمد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { امسحوا على الخفين والخمار ) . }

                                                                                                                                            201 - ( وعن المغيرة بن شعبة قال : { توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة . } رواه الترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            أخرج حديث المغيرة بن شعبة أيضا مسلم في صحيحه بلفظ : { فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين } ولم يخرجه البخاري . قال الحافظ : وقد وهم المنذري فعزاه إلى المتفق عليه ، وتبع في ذلك ابن الجوزي فوهم ، وقد تعقبه ابن عبد الهادي ، وصرح عبد الحق في الجمع بين الصحيحين أنه من أفراد مسلم ، وقد أعل حديث عمرو بن أمية المذكور في الباب بتفرد الأوزاعي بذكر العمامة حتى قال ابن بطال : إنه قال الأصيلي : ذكر العمامة في هذا الباب من خطإ الأوزاعي لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحد ، قال وأما متابعة معمر فليس فيها ذكر العمامة ، وهي أيضا مرسلة ; لأن أبا سلمة لم يسمع من عمرو . قال الحافظ : سماعه منه ممكن فإنه مات بالمدينة سنة ستين ، وأبو سلمة مدني ولم يوصف بتدليس ، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو .

                                                                                                                                            وقد أخرجه ابن منده من طريق معمر بإثبات ذكر العمامة فيه ، وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته لأنها تكون من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل ، ولا تكون شاذة ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية ، وقد أطال الكلام على ذلك ابن سيد الناس في شرح الترمذي فليرجع إليه .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أبي أمامة عند الطبراني بلفظ : { مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين والعمامة في غزوة تبوك } وعن أبي موسى الأشعري عند الطبراني أيضا بلفظ : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فمسح على الجوربين والنعلين والعمامة } قال الطبراني : تفرد به عيسى بن سنان . وعن خزيمة بن ثابت عند الطبراني : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين والخمار } وعن أبي طلحة في كتاب مكارم الأخلاق للخرائطي بلفظ : { مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمار والخفين } وقد روي عن جماعة من الصحابة .

                                                                                                                                            وفي الباب عن سلمان وثوبان ، وسيأتي ذلك .

                                                                                                                                            وقد اختلف الناس في المسح على العمامة ، فذهب إلى جوازه الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور [ ص: 209 ] وداود بن علي ، وقال الشافعي : إن صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبه أقول . قال الترمذي : وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس ، ورواه ابن رسلان عن أبي أمامة وسعد بن مالك وأبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ومكحول .

                                                                                                                                            وروى الخلال بإسناده عن عمر أنه قال : من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله . ورواه في الفتح عن الطبري وابن خزيمة وابن المنذر .

                                                                                                                                            واختلفوا هل يحتاج الماسح على العمامة إلى لبسها على طهارة أو لا يحتاج ؟ فقال أبو ثور : لا يمسح على العمامة والخمار إلا من لبسهما على طهارة قياسا على الخفين ، ولم يشترط ذلك الباقون ، وكذلك اختلفوا في التوقيت ، فقال أبو ثور أيضا إن وقته كوقت المسح على الخفين ، وروي مثل ذلك عن عمر ، والباقون لم يوقتوا . قال ابن حزم : { إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة والخمار ولم يوقت ذلك بوقت } .

                                                                                                                                            وفيه أن الطبراني قد روى من حديث أبي أمامة { أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر ، ويوما وليلة في الحضر } لكن في إسناده مروان أبو سلمة . قال ابن أبي حاتم : ليس بالقوي . وقال البخاري : منكر الحديث . وقال الأزدي : ليس بشيء . وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال : ليس بصحيح . استدل القائلون بجواز المسح على العمامة بما ذكره المصنف ، وذكرناه في هذا الباب من الأحاديث .

                                                                                                                                            وذهب الجمهور كما قاله الحافظ في الفتح إلى عدم جواز الاقتصار على مسح العمامة ، ونسبه المهدي في البحر إلى الكثير من العلماء .

                                                                                                                                            قال الترمذي وقال غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي ، وإليه ذهب أيضا أبو حنيفة ، واحتجوا بأن الله فرض المسح على الرأس .

                                                                                                                                            والحديث في العمامة محتمل التأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل ، والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس ، ورد بأنه أجزأ المسح على الشعر ولا يسمى رأسا . فإن قيل : يسمى رأسا مجازا بعلاقة المجاورة قيل : والعمامة كذلك بتلك العلاقة ، فإنه يقال : قبلت رأسه ، والتقبيل على العمامة .

                                                                                                                                            والحاصل أنه قد ثبت المسح على الرأس فقط وعلى العمامة فقط ، وعلى الرأس والعمامة ، والكل صحيح ثابت فقصر الإجزاء على بعض ما ورد لغير موجب ليس من دأب المنصفين . قوله : ( والخمار ) هو بكسر الخاء المعجمة النصيف ، وكل ما ستر شيئا فهو خماره ، كذا في القاموس ، والمراد به هنا العمامة كما صرح بذلك النووي في شرح مسلم قال : لأنها تخمر الرأس أي تغطيه . ويؤيده الحديث الذي بعد هذا .

                                                                                                                                            202 - وعن سلمان { أنه رأى رجلا قد أحدث وهو يريد أن يخلع خفيه فأمره [ ص: 210 ] سلمان أن يمسح على خفيه وعلى عمامته وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه وعلى خماره } .

                                                                                                                                            203 - ( وعن ثوبان قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم { توضأ ومسح على الخفين والخمار . } رواهما أحمد ) .

                                                                                                                                            204 - ( وعن ثوبان قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين . } رواه أحمد وأبو داود . العصائب : العمائم ، والتساخين : الخفاف ) . حديث سلمان أخرجه أيضا الترمذي في العلل ، ولكنه قال : مكان ، وعلى خماره ( وعلى ناصيته ) وفي إسناده أبو شريح ، قال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل عنه ما اسمه ؟ فقال : لا أدري ، لا أعرف اسمه .

                                                                                                                                            وفي إسناده أيضا أبو مسلم مولى زيد بن صوحان ، وهو مجهول . قال الترمذي : لا أعرف اسمه ، ولا أعرف له غير هذا الحديث .

                                                                                                                                            وأما حديث ثوبان الأول فأخرجه أيضا الحاكم والطبراني . وحديثه الثاني في إسناده راشد بن سعد عن ثوبان . قال الخلال في علله : إن أحمد قال : لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان لأنه مات قديما . والأحاديث تدل على أنه يجزئ المسح على العمامة ، وقد تقدم الكلام عليه . وتدل على جواز المسح على الخف وسيأتي .

                                                                                                                                            قوله : ( العصائب ) هي العمائم كما قال المصنف ، وبذلك فسرها أبو عبيد ، سميت بذلك لأن الرأس يعصب بها ، فكل ما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو عصابة فهو عصابة . قوله : ( والتساخين ) بفتح التاء الفوقية والسين المهملة المخففة وبالخاء المعجمة هي : الخفاف كما قال المصنف رحمه الله. قال ابن رسلان : ويقال : أصل ذلك كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها ، وقيل : واحدها تسخان وتسخن هكذا في كتب اللغة والغريب .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية