الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل [ الحكمة في تخصيص المسافر بالرخص ]

وأما قوله : " وجوز للمسافر المترفه في سفره رخصة الفطر والقصر ، دون المقيم المجهود الذي هو في غاية المشقة " فلا ريب أن الفطر والقصر يختص بالمسافر ، ولا يفطر المقيم إلا لمرض ، وهذا من كمال حكمة الشارع ; فإن السفر في نفسه قطعة من العذاب ، [ ص: 86 ] وهو في نفسه مشقة وجهد ، ولو كان المسافر من أرفه الناس فإنه في مشقة وجهد بحسبه ، فكان من رحمة الله بعباده وبره بهم أن خفف عنهم شطر الصلاة واكتفى منهم بالشطر ، وخفف عنهم أداء فرض الصوم في السفر ، واكتفى منهم بأدائه في الحضر ، كما شرع مثل ذلك في حق المريض والحائض ، فلم يفوت عليهم مصلحة العبادة بإسقاطها في السفر جملة ، ولم يلزمهم بها في السفر كإلزامهم في الحضر ، وأما الإقامة فلا موجب لإسقاط بعض الواجب فيها ولا تأخيره ، وما يعرض فيها من المشقة والشغل فأمر لا ينضبط ولا ينحصر ; فلو جاز لكل مشغول وكل مشقوق عليه الترخص ضاع الواجب واضمحل بالكلية ، وإن جوز للبعض دون البعض لم ينضبط ; فإنه لا وصف يضبط ما تجوز معه الرخصة وما لا تجوز ، بخلاف السفر ، على أن المشقة قد علق بها من التخفيف ما يناسبها ، فإن كانت مشقة مرض وألم يضر به جاز معها الفطر والصلاة قاعدا أو على جنب ، وذلك نظير قصر العدد ، وإن كانت مشقة تعب فمصالح الدنيا والآخرة منوطة بالتعب ، ولا راحة لمن لا تعب له ، بل على قدر التعب تكون الراحة ، فتناسبت الشريعة في أحكامها ومصالحها بحمد الله ومنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية