الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون



اعتراض بين جملة فول وجهك شطر المسجد الحرام وجملة ومن حيث خرجت فول وجهك الآية .

[ ص: 34 ] والأظهر أن المراد بـ الذين أوتوا الكتاب أحبار اليهود وأحبار النصارى كما روي عن السدي كما يشعر به التعبير عنهم بصلة أوتوا الكتاب دون أن يقال : وإن أهل الكتاب .

ومعنى كونهم يعلمون أنه الحق أن علمهم بصدق محمد صلى الله عليه وسلم حسب البشارة به في كتبهم يتضمن أن ما جاء به حق .

والأظهر أيضا أن المراد بـ الذين أوتوا الكتاب هم الذين لم يزالوا على الكفر ليظهر موضع قوله وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم فإن الإخبار عنهم بأنهم يعلمون أنه الحق مع تأكيده بمؤكدين ، يقتضي أن ظاهر حالهم إذ أنكروا استقبال الكعبة أنهم أنكروه لاعتقادهم بطلانه وأن المسلمين يظنونهم معتقدين ذلك ، وليظهر موقع قوله وما الله بغافل عما يعملون الذي هو تهديد بالوعيد .

وقد دل التعريف في قوله أنه الحق على القصر ; أي يعلمون أن الاستقبال للكعبة هو الحق دون غيره تبعا للعلم بنسخ شريعتهم بشريعة الإسلام ، وقيل إنهم كانوا يجدون في كتبهم أن قبلتهم ستبطل ولعل هذا مأخوذ من إنذارات أنبيائهم ، مثل :أرميا وأشعيا المنادية بخراب بيت المقدس فإن استقباله يصير استقبال الشيء المعدوم .

وقوله وما الله بغافل عما يعملون قرأه الجمهور بياء الغيبة والضمير " للذين أوتوا الكتاب " أي عن عملهم بغير ما علموا فالمراد : بما يعملون هذا العمل ونحوه من المكابرة والعناد والسفه . وهذا الخبر كناية عن الوعيد بجزائهم عن سوء صنعهم ، لأن قول القادر : ما أنا بغافل عن المجرم ، حقيق لعقابه إذ لا يحول بين القادر وبين الجزاء إلا عدم العلم فلذلك كان وعيدا لهم ووعيدهم يستلزم في المقام الخطابي وعدا للمسلمين لدلالته على عظيم منزلتهم فإن الوعيد إنما ترتب على مخالفتهم للمؤمنين فلا جرم أن سيلزم جزاء للمؤمنين على امتثال تغيير القبلة ، ولأن الذي لا يغفل عن عمل أولئك لا يغفل عن عمل هؤلاء فيجازي كلا بما يستحق .

وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر وروح عن يعقوب بتاء الخطاب فهو كناية عن وعد المسلمين على الامتثال لاستقبال الكعبة .

[ ص: 35 ] ويستلزم وعيدا للكافرين على عكس ما تقتضيه القراءة السابقة; وعلى القراءتين فهو تذييل إجمالي ليأخذ كل حظه منه وهو اعتراض بين جملة وإن الذين أوتوا وجملة ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب الآية .

وفي قوله ليعلمون وقوله عما يعملون الجناس التام المحرف على قراءة الجمهور والجناس الناقص المضارع على قراءة ابن عامر ومن وافقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية