الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 195 ] الصنف الثالث في معنى العام والخاص

          ويشتمل على مقدمة ومسائل .

          أما المقدمة ففي بيان معنى العام والخاص ، وصيغ العموم .

          أما العام فقد قال أبو الحسين البصري : العام هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له ، ووافقه على ذلك بعض أصحابنا وهو فاسد من وجهين :

          الأول : أنه عرف العام بالمستغرق ، وهما لفظان مترادفان ، وليس المقصود هاهنا من التحديد شرح اسم العام حتى يكون الحد لفظيا ، بل شرح المسمى إما بالحد الحقيقي أو الرسمي

          [1] ، وما ذكره خارج عن القسمين .

          الثاني : أنه غير مانع لأنه يدخل فيه قول القائل : " ضرب زيد عمرا " فإنه لفظ مستغرق لجميع ما هو صالح له وليس بعام .

          وقال الغزالي : إنه اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعدا ، وهو غير جامع ، فإن لفظ المعدوم والمستحيل من الألفاظ العامة ، ولا دلالة له على شيئين فصاعدا ، إذ المعدوم ليس بشيء عنده وعند أهل الحق من أصحابنا ، والمستحيل بالإجماع وإن كان جامعا إلا أنه غير مانع .

          فإن قولنا : عشرة [ ص: 196 ] ومائة ليس من الألفاظ العامة ، وإن كان مع اتحاده دالا على شيئين فصاعدا ، وهي الآحاد الداخلة فيها ، والحق في ذلك أن يقال : العام هو اللفظ الواحد الدال على مسميين فصاعدا مطلقا معا .

          فقولنا : ( اللفظ ) وإن كان كالجنس للعام والخاص ففيه فائدة تقييد العموم بالألفاظ ، لكونه من العوارض الحقيقية لها دون غيرها عند أصحابنا وجمهور الأئمة كما يأتي تعريفه [2] .

          وقولنا : ( الواحد ) احتراز عن قولنا : ضرب زيد عمرا ، وقولنا : ( الدال على مسميين ) ليندرج فيه الموجود والمعدوم ، وفيه أيضا احتراز عن الألفاظ المطلقة كقولنا : رجل ودرهم وإن كانت صالحة لكل واحد من آحاد الرجال وآحاد الدراهم فلا يتناولها معا ، بل على سبيل البدل .

          وقولنا : ( فصاعدا ) احتراز عن لفظ اثنين ، وقولنا : ( مطلقا ) احتراز عن قولنا : عشرة ومائة ونحوه من الأعداد المقيدة ، ولا حاجة بنا إلى قولنا من جهة واحدة احترازا عن الألفاظ المشتركة والمجازية .

          أما عند من يعتقد كونها من الألفاظ العامة كما يأتي تحقيقه [3] فالحد لا يكون مع أخذ هذا القيد جامعا .

          وأما عند من لا يقول بالتعميم فلا حاجة به إلى هذا القيد أيضا ، إذ اللفظ دال على مسمياته معا ، بل على طريق البدل ، وكذلك الحكم في اللفظ الدال على جهة الحقيقة والمجاز .

          وفي الحد المذكور ما يدرأ النقص بذلك ، وهو قولنا : ( الدال على مسميين معا ) .

          وأما الخاص فقد قيل فيه : هو كل ما ليس بعام ، وهو غير مانع لدخول الألفاظ المهملة فيه ، فإنها لعدم دلالتها لا توصف بعموم ولا بخصوص .

          ثم فيه تعريف الخاص بسلب العام عنه ، ولا يخلو إما أن يكون بينهما واسطة أو لا ، فإن كان الأول فلا يلزم من سلب العام تعين الخاص .

          [ ص: 197 ] وإن كان الثاني فليس تعريف أحدهما بسلب حقيقة الآخر عنه أولى من العكس ، وأيضا فإن اللفظ قد يكون خاصا كلفظ الإنسان ، فإنه خاص بالنسبة إلى لفظ الحيوان وما خرج عن كونه عاما بالنسبة إلى ما تحته .

          وإن قيل : إنه ليس بعام من جهة ما هو خاص ، ففيه تعريف الخاص بالخاص ، وهو ممتنع .

          والحق في ذلك أن يقال : الخاص قد يطلق باعتبارين ، الأول : وهو اللفظ الواحد الذي لا يصلح مدلوله لاشتراك كثيرين فيه كأسماء الأعلام من زيد وعمرو ونحوه ، الثاني : ما خصوصيته بالنسبة إلى ما هو أعم منه وحده أنه اللفظ الذي يقال على مدلوله وعلى غير مدلوله لفظ آخر من جهة واحدة كلفظ الإنسان فإنه خاص ، ويقال على مدلوله وعلى غيره كالفرس والحمار لفظ الحيوان من جهة واحدة .

          وإذا تحقق معنى العام والخاص فاعلم أن اللفظ الدال ينقسم إلى عام لا أعم منه كالمذكور ، فإنه يتناول الموجود والمعدوم والمعلوم والمجهول ، وإلى خاص لا أخص منه كأسماء الأعلام ، وإلى ما هو عام بالنسبة ، وخاص بالنسبة كلفظ الحيوان ، فإنه عام بالنسبة إلى ما تحته من الإنسان والفرس ، وخاص بالنسبة إلى ما فوقه كلفظ الجوهر والجسم .

          وأما صيغ العموم عند القائلين بها فهي : إما أن تكون عامة فيمن يعقل جمعا وأفرادا مثل ( أي ) في الجزاء والاستفهام ، وأسماء الجموع المعرفة إذا لم يكن عهد ، سواء كان جمع سلامة أو جمع تكسير ( كالمسلمين والرجال ) ، والمنكرة ( كرجال ومسلمين ) والأسماء المؤكدة لها مثل ( كل وجميع ) ، واسم الجنس إذا دخله الألف واللام من غير عهد ( كالرجل والدرهم ) ، والنكرة المنفية كقولك ( لا رجل في الدار ) و ( ما في الدار من رجل ) ، والإضافة كقولك ( ضربت عبيدي ) و ( أنفقت دراهمي ) .

          وإما عامة فيمن يعقل دون غيره ( كمن ) في الجزاء والاستفهام تقول : من عندك ؟ ومن جاءني أكرمته .

          [ ص: 198 ] وإما عامة فيما لا يعقل ؛ إما مطلقا من غير اختصاص بجنس مثل ( ما ) في الجزاء كقوله : على اليد ما أخذت حتى ترد ، والاستفهام تقول : ماذا صنعت ؟ ، وإما لا مطلقا ، بل مختصة ببعض أجناس ما لا يعقل مثل ( متى ) في الزمان جزاء واستفهاما ، و ( أين ) و ( حيث ) في المكان جزاء واستفهاما تقول : متى جاء القوم ؟ ومتى جئتني أكرمتك وأين كنت ؟ وأينما كنت أكرمتك .

          وإذ أتينا على ما أردناه من بيان المقدمة فلنشرع الآن في المسائل وهي خمس وعشرون مسألة .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية