الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ودعوا ، أيها الناس ، علانية الإثم وذلك ظاهره ، وسره وذلك باطنه ، . كذلك : -

13794 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، أي : قليله وكثيره ، وسره وعلانيته .

13795 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال : سره وعلانيته .

13796 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس في قوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، يقول : سره وعلانيته وقوله : ( ما ظهر منها وما بطن ) ، [ سورة الأعراف : 33 ] ، قال : سره وعلانيته .

13797 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، [ ص: 73 ] عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال : نهى الله عن ظاهر الإثم وباطنه ، أن يعمل به سرا أو علانية ، وذلك ظاهره وباطنه .

13798 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، معصية الله في السر والعلانية .

13799 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال : هو ما ينوي مما هو عامل .

ثم اختلف أهل التأويل في المعني بالظاهر من الإثم والباطن منه ، في هذا الموضع .

فقال بعضهم : " الظاهر منه " ، ما حرم جل ثناؤه بقوله : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) ، [ سورة النساء : 23 ] ، وقوله : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) الآية ، و " الباطن منه " ، الزنى .

ذكر من قال ذلك :

13800 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال : الظاهر منه : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ) والأمهات والبنات والأخوات " . والباطن " : الزنا .

وقال آخرون : " الظاهر " ، أولات الرايات من الزواني ، والباطن : ذوات الأخدان . [ ص: 74 ]

ذكر من قال ذلك :

13801 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) أما " ظاهره " ، فالزواني في الحوانيت ، وأما " باطنه " ، فالصديقة يتخذها الرجل فيأتيها سرا .

13802 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثني عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) ، [ سورة الأنعام : 151 ] . كان أهل الجاهلية يستسرون بالزنى ، ويرون ذلك حلالا ما كان سرا ، فحرم الله السر منه والعلانية . " ما ظهر منها " ، يعني العلانية " وما بطن " ، يعني السر .

13803 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن أبي مكين وأبيه ، عن خصيف ، عن مجاهد : ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) ، قال : " ما ظهر منها " ، الجمع بين الأختين ، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده " وما بطن " الزنى .

وقال آخرون : " الظاهر " التعري والتجرد من الثياب ، وما يستر العورة في الطواف . " والباطن " الزنى .

ذكر من قال ذلك :

13804 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) ، قال : ظاهره العرية التي كانوا يعملون بها حين يطوفون بالبيت ، وباطنه : الزنى . [ ص: 75 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره تقدم إلى خلقه بترك ظاهر الإثم وباطنه ، وذلك سره وعلانيته . و " الإثم " كل ما عصي الله به من محارمه ، وقد يدخل في ذلك سر الزنى وعلانيته ، ومعاهرة أهل الرايات وأولات الأخدان منهن ، ونكاح حلائل الآباء والأمهات والبنات ، والطواف بالبيت عريانا ، وكل معصية لله ظهرت أو بطنت . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان جميع ذلك " إثما " ، وكان الله عم بقوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، جميع ما ظهر من الإثم وجميع ما بطن ، لم يكن لأحد أن يخص من ذلك شيئا دون شيء ، إلا بحجة للعذر قاطعة .

غير أنه لو جاز أن يوجه ذلك إلى الخصوص بغير برهان ، كان توجيهه إلى أنه عنى بظاهر الإثم وباطنه في هذا الموضع ، ما حرم الله من المطاعم والمآكل من الميتة والدم ، وما بين الله تحريمه في قوله : ( حرمت عليكم الميتة ) إلى آخر الآية ، أولى ، إذ كان ابتداء الآيات قبلها بذكر تحريم ذلك جرى ، وهذه في سياقها . ولكنه غير مستنكر أن يكون عنى بها ذلك ، وأدخل فيها الأمر باجتناب كل ما جانسه من معاصي الله ، فخرج الأمر عاما بالنهي عن كل ما ظهر أو بطن من الإثم .

التالي السابق


الخدمات العلمية