الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 413 ] حديث رابع وخمسون من البلاغات

مالك أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قضى طوافه بالبيت ، ركع الركعتين ، وإذا أراد أن يخرج إلى الصفا ، استلم الركن الأسود .

التالي السابق


هكذا هذا الحديث ، عند رواة الموطأ ، عن مالك ، ورواه الوليد بن مسلم ، عن مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، وهو محفوظ ، من حديث جابر من طرق صحاح من رواية مالك ، وغيره .

أخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير ، عن الوليد ، عن مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فصلى ركعتين ، فقرأ فاتحة الكتاب و ( قل ياأيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) ثم عاد إلى الركن ، واستلمه ، ثم خرج إلى الصفا .

[ ص: 414 ] أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثنا حمزة بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا علي بن حجر ، أخبرنا إسماعيل بن جعفر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف سبعا رمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم قرأ ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فصلى سجدتين جعل المقام بينه ، وبين الكعبة ، ثم استلم الركن ، ثم خرج فقال : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) نبدأ بما بدأ الله به .

قال أبو عمر :

هذا الحديث من حديث جابر الطويل في الحج ، رواه حاتم بن إسماعيل ، وجماعة عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر في حديثه الطويل ، قال فيه : ثم رجع فاستلم الحجر ، ثم خرج من الباب إلى الصفا .

وطرقه كثيرة جدا صحاح كلها ، فأما ركوع الطائف بالبيت إذا فرغ من طوافه ، وطاف سبعا ، فإنه يصلي ركعتين عند المقام إن قدر ، وإلا فحيثما قدر من المسجد ، وهذا إجماع من العلماء لا خلاف بينهم في ذلك ، واختلفوا إذا صلاهما في الحجر ، فجمهور العلماء على أن ذلك جائز لا بأس به ، وهو مذهب عطاء ، والثوري ، والشافعي ، وأبو حنيفة .

وروي ذلك ، عن ابن عمر ، وابن الزبير ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم .

وقال مالك إن صلى صلاة الطواف الواجب في الحجر أعاد [ ص: 415 ] الطواف والسعي بين الصفا والمروة ، وإن لم يركعهما حتى بلغ بلده أهراق دما ، ولا إعادة عليه .

قال أبو عمر :

أكثر أهل العلم لا يرون الدم مدخلا في شيء من أبواب الصلاة في الحج ، وغير الحج ، وإنما يرون في ذلك الإعادة على من لم يصل ما وجب عليه من ذلك ناسيا إذا ذكر .

واختلفوا فيمن نسي ركعتي الطواف حتى خرج من الحرم ، أو رجع إلى بلده ، فقال الشافعي ، وأبو حنيفة يركعهما حيثما ذكر من حل ، أو حرم .

وقال سفيان الثوري : يركعهما حيثما شاء ما لم يخرج من الحرم .

وقال مالك : إن لم يركعهما حتى يرجع إلى بلده فعليه هدي .

قال أبو عمر :

من أوجب الدم في ذلك فحجته أن ذلك النسك والشعائر ، وقد قال ابن عباس : من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما ، إلا أن مالكا لا يرى على من نسي طواف الوداع ، أو تركه دما ، وهو من النسك ، عند جميعهم ، ومن حجة من لم ير في ركعتي الطواف غير القضاء ، القياس [ ص: 416 ] على الصلاة المكتوبة في الحج ، وليس ركعتا الطواف بأوكد من المكتوبة ، وأكثر أحوالهما أن يحكم لهما بحكمهما في القضاء على من نسيهما ، أو تركهما ، وبالله التوفيق .

وأما استلام الركن ، فسنة مسنونة ، عند ابتداء الطواف ، وعند الخروج بعد الطواف ، والرجوع إلى الصفا ، لا يختلف أهل العلم في ذلك قديما ، وحديثا ، والحمد لله .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص بن غياث ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت ، وصلى الركعتين ، عند المقام ، قرأ فيهما : ( قل ياأيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) ثم قرأ : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ، ثم خرج إلى الصفا .

قال أبو عمر :

كان مالك يستحب لمن طاف بالبيت ، أن يركع عند المقام ، فإن لم يقدر فحيث أمكنه ، فإذا ركع أتى الحجر فاستلمه بيده ووضع يده على فيه ، ثم خرج إلى الصفا للسعي ، ومن ترك الاستلام ، فلا شيء عليه ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لعبد الرحمن بن عوف : كيف صنعت في استلام الركن الأسود ؟ فقال : استلمت وتركت ، فقال أصبت .




الخدمات العلمية