الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمشين أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من نار .

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث الثاني .

                                                            وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمشين أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من نار .

                                                            (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) اتفق عليه الشيخان من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بلفظ (لا يشير) وأخرج مسلم ، وغيره من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه ، وإن كان [ ص: 184 ] أخاه لأبيه وأمه .

                                                            (الثانية) قوله (لا يمشين) كذا ضبطناه في أصلنا عند والدي رحمه الله من المشي ، والذي في الصحيحين لا يشير من الإشارة ، وهو المعروف ، وكذا وقع فيهما بإثبات الياء مرفوعا ، وهو نهي بلفظ الخبر كقوله تعالى لا تضار والدة بولدها وقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن وهو أبلغ وآكد من صيغة النهي ، والرواية الأولى إن ثبتت فهي بمعنى الرواية الثانية ، وراجعة إليها لأن المراد نهيه عن المشي إلى جهته مشيرا له بالسلاح .

                                                            (الثالثة) فيه النهي عن الإشارة إلى المسلم بالسلاح ، وهو نهي تحريم فإن في الرواية الأخرى من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه ، ولعن الملائكة لا يكون إلا بحق ، ولا يستحق اللعن إلا فاعل المحرم ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون على سبيل الجد أو الهزل ، وقد دل على ذلك قوله ، وإن كان أخاه لأبيه وأمه فإن الإنسان لا يشير إلى شقيقه بالسلاح على سبيل الجد ، وإنما يقع منه معه هزلا ، وبتقدير أن يكون ذلك على سبيل الجد فتحريم ذلك أغلظ من تحريم غيره فلا يصح جعله غاية فدل على أن المراد الهزل فإن تحريمه على طريق الجد واضح لأنه يريد قتل مسلم أو جرحه ، وكلاهما كبيرة ، وأما الهزل فلأنه ترويع مسلم ، وأذى له ، وذلك محرم أيضا ، وقد جاء في الحديث لا يحل لمسلم أن يروع مسلما .

                                                            (الرابعة) المراد أخوة الإسلام ، ويلتحق به الذمي أيضا لتحريم أذاه ، وخرج الحديث مخرج الغالب ، ودخل في السلاح ما عظم منه وصغر ، وهل تدخل العصا في ذلك فيه احتمال لأن الترويع حاصل ، وكذلك احتمال سقوطها من يده عليه ، وقد يقال لا يراد بذلك إلا ما له نصل بدليل قوله في الرواية الأخرى بحديدة .

                                                            (الخامسة) قوله ينزع في يده بكسر الزاي وبالعين المهملة ، ومعناه يرمي في يده ، ويحقق ضربته كأنه يرفع يده ، ويحقق إشارته والنزع العمل باليد كالاستقاء بالدلو ونحوه ، وأصله الجذب والقلع قال في المشارق ، وأصل فعل إذا كان عينه أو لامه حرف حلق أن يكون مستقبله كذلك مفتوحا ، ولم يأت في المستقبل مكسورا إلا ينزع ، ويهنئ (قلت) ، ومثله يرجع ، وما ذكرناه من ضبط هذه اللفظة هو الذي حكاه القاضي عياض عن جميع روايات مسلم ، ونقله [ ص: 185 ] النووي عن نسخ بلادنا ، وهو المشهور في رواية البخاري ، وروي فيه أيضا ينزغ بفتح الزاي وبالغين المعجمة ، وهو كذلك في رواية أبي ذر الهروي ، ومعناه يحمله على تحقيق ضربه ، ويزين ذلك له ، ونزغ الشيطان إغراؤه ، وإغواؤه .

                                                            (السادسة) قوله فيقع رويناه في صحيح البخاري بالنصب والرفع لكونه في جواب الترجي ، وقد قرئ بهما قوله تعالى لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع قرأ حفص عن عاصم بالنصب ، والباقون بالرفع .

                                                            (السابعة) يحتمل أن يكون الحديث على ظاهره في أن الشيطان يتعاطى بيده جرح المسلم أو يغري المشير حتى يفعل ذلك على خلاف الروايتين ، ويحتمل أنه مجاز على طريق نسبة الأشياء القبيحة المستنكرة إلى الشيطان ، والمراد سبق السلاح بنفسه من غير قصد .

                                                            (الثامنة) فيه تأكد حرمة المسلم ، والنهي الشديد عن ترويعه ، وتخويفه ، والتعرض له بما قد يؤذيه .

                                                            (التاسعة) استدل به بعض المالكية على مذهبهم في سد الذرائع في قوله فإنه لا يدري أحدكم إلى آخره .

                                                            (العاشرة) وجه إيراده في الجنايات أنه إذا دل على تحريم ما قد ينتهي إلى الجناية فتحريم الجناية من باب الأولى . .




                                                            الخدمات العلمية