الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  ( 168 ) حدثنا بكر بن سهل الدمياطي ، ثنا عبد الغني بن سعيد الثقفي ، قال : ثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، وعن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس ، إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم يريد أن الذين جاءوا بالإفك - يعني بالكذب على عائشة أم المؤمنين أربعة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ، يريد خيرا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبراءة لسيدة نساء المؤمنين ، وخيرا لأبي بكر ، وأم عائشة ولصفوان بن المعطل لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره ، يريد إشاعته منهم ، يريد عبد الله بن أبي ابن سلول له عذاب عظيم ، يريد في الدنيا جلده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانين ، وفي الآخرة مصيره إلى النار لولا إذ سمعتموه ، يريد أفلا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استشار فيها ، فقالوا خيرا ، وقالوا : يا رسول الله هذا كذب وزور والمؤمنات يريد زينب - زوج [ ص: 131 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - - ، وبريرة مولاة عائشة ، وجميع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقالوا هذا كذب عظيم ، قال الله - عز وجل - لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء يريد لو جاءوا عليه بأربعة شهداء لكانوا هم والذين شهدوا كاذبين ، فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون يريد الكذب بعينه ، ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة يريد فلولا ما من الله به عليكم وستركم ، لمسكم في ما أفضتم فيه يريد من الكذب ، عذاب عظيم يريد لا انقطاع له ، إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم يعلم الله خلافه ، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم يريد أن ترموا سيدة نساء المؤمنين وزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتبهتونها بما لم يكن فيها ولم يقع في قلبها قط إعرابها ، وإنما خلقتها طيبة ، وعصمتها من كل قبيح ، ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يريد بالبهتان الافتراء ، مثل قوله في مريم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا يريد مسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ، وحسان بن ثابت ، إن كنتم مؤمنين يريد إن كنتم مصدقين بالله ورسوله ، ويبين الله لكم الآيات يريد الآيات التي أنزلها في عائشة ، والبراءة لها ، والله عليم بما في قلوبكم من الندامة فيما خضتم فيه ، حكيم حيث حكم في القذف ثمانين جلدة ، إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة يريد بعد هذا ، في الذين آمنوا يريد المحصنين والمحصنات من المصدقين ، لهم عذاب أليم يريد وجيع ، في الدنيا والآخرة يريد في الدنيا الجلد ، وفي الآخرة العذاب في النار ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون يريد سوء ما دخلتم فيه وما فيه من شدة العذاب ، وأنتم لا تعلمون شدة سخط الله على من فعل هذا ، ولولا فضل الله عليكم ورحمته [ ص: 132 ] يريد لولا ما تفضل الله به عليكم ورحمته لندامتكم ، يريد مسطحا ، وحمنة ، وحسان ، وأن الله رءوف رحيم يريد من الرحمة رؤوف بكم حيث ندمتم ورجعتم إلى الحق ، ياأيها الذين آمنوا يريد صدقوا بتوحيد الله ، لا تتبعوا خطوات الشيطان يريد الزلات ، فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر يريد بالفحشاء : عصيان الله ، والمنكر : كلما يكره الله ، ولولا فضل الله عليكم ورحمته يريد ما تفضل الله به عليكم ورحمكم به ، ما زكا منكم من أحد أبدا يريد ما قبل توبة أحد منكم أبدا ، ولكن الله يزكي من يشاء يريد فقد شئت أن أتوب عليكم ، والله سميع عليم يريد سميع لقولكم ، عليم بما في أنفسكم من الندامة والتوبة ولا يأتل يريد ولا يحلف ، أولو الفضل منكم والسعة يريد ولا يحلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح ، أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا فقد جعلت فيك يا أبا بكر الفضل ، وجعلت عندك السعة والمعرفة بالله وصلة الرحم ، فتعطف يا أبا بكر على مسطح فإنه له قرابة وله هجرة ومسكنة ومشاهدة ورضيتها منك يوم بدر ، ألا تحبون يا أبا بكر ، أن يغفر الله لكم يريد فاغفر لمسطح ، والله غفور رحيم يريد فإني غفور لمن أخطأ رحيم بأوليائي ، إن الذين يرمون المحصنات يريد العفائف ، الغافلات المؤمنات يريد المصدقات بتوحيد الله وبرسله .

                                                                  وقد قال حسان بن ثابت في عائشة أم المؤمنين :

                                                                  حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

                                                                  فقالت له عائشة : ولكنك يا حسان ما أنت كذلك ، لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ، يقول : أخرجهم من الإيمان مثل قوله في سورة [ ص: 133 ] الأحزاب للمنافقين ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ، والذي تولى كبره منهم ، يريد كبر القذف وإشاعته ، يريد عبد الله بن أبي ابن سلول الملعون ، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يريد أن الله ختم على ألسنتهم فتكلمت الجوارح وشهدت على أهلها وذلك أنهم قالوا : تعالوا نحلف بالله ما كنا مشركين ، فختم الله على ألسنتهم فنطقت الجوارح بما عملوا ، ثم شهدت ألسنتهم عليهم بعد ذلك يريد يجازيهم بأعمالهم بالحق كما يجازى أولياؤه بالثواب ، كذلك يجزي أعداءه بالعقاب كقوله في الحمد مالك يوم الدين يريد يوم الجزاء ، ويعلمون يوم القيامة أن الله هو الحق المبين ، وذلك أن عبد الله بن أبي بن سلول كان يشك في الدين ، وكان رأس المنافقين وذلك قول الله يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلم ابن سلول يوم القيامة أن الله هو الحق المبين ، يريد انقطع الشك واستيقن حيث لا ينفعه اليقين ، قال : الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات يريد أمثال عبد الله بن أبي ابن سلول ومن شك في الله - عز وجل - وبقذف مثل سيدة نساء العالمين ، ثم قال : والطيبات للطيبين عائشة طيبها الله لرسوله - عليه السلام - أتى بها جبريل - عليه السلام - في سرقة حرير قبل أن تصور في رحم أمها ، فقال له : هذه عائشة بنت أبي بكر زوجتك في الدنيا وزوجتك في الجنة ، عوضا من خديجة بنت خويلد وذلك عند موتها ، فسر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقر بها عينا ، ثم قال : والطيبون للطيبات ، يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طيبه الله لنفسه وجعله سيد ولد آدم ، والطيبات يريد عائشة ، أولئك مبرءون مما يقولون يريد براءة الله من كذب عبد الله بن أبي ابن سلول ، لهم مغفرة يريد عصمة في الدنيا ، ومغفرة في الآخرة ، ورزق كريم يريد رزق الجنة وثواب عظيم .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية