الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      ( فصل ) وأما ترتيبهم في الديوان إذا أثبتوا فيه فمعتبر من وجهين : أحدهما عام والأخر خاص . فأما العام فهو ترتيب القبائل والأجناس حتى تتميز كل قبيلة عن غيرها ، وكل جنس عمن خالفه ، فلا يجمع فيه بين المختلفين ولا يفرق به بين المتفقين ; لتكون دعوة الديوان على نسق واحد معروف بالنسب يزول به التنازع والتجاذب ، وإذا كان هكذا لم يخل حالهم من أن يكونوا عربا أو عجما ، فإن كانوا عربا تجمعهم أنساب وتفرق بينهم أنساب ترتيب قبائلهم بالقربى من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل عمر رضي الله عنه حين دونهم .

                                      فيبدأ بالترتيب في أصل النسب ثم بما يتفرع عنه فالعرب عدنان وقحطان ، فتقدم عدنان على قحطان لأن النبوة فيهم ، وعدنان يجمع ربيعة ومضر ، فتقدم مضر على ربيعة لأن النبوة فيهم ، ومضر يجمع قريشا وغير قريش فتقدم قريش لأن النبوة فيهم ، وقريش يجمع بني هاشم وغيرهم ، فتقدم بنو هاشم لأن النبوة فيهم فيكون بنو هاشم قطب الترتيب ثم بمن يليهم من أقرب الأنساب إليهم يستوعب قريشا ، ثم بمن يليهم في النسب حتى يستوعب جميع مضر ، ثم بمن يليهم في النسب حتى يستوعب جميع عدنان . وقد رتب أنساب العرب ستة مراتب ، فجعلت طبقات أنسابهم هي : شعب ، ثم قبيلة ، ثم عمارة ، ثم بطن ، ثم فخذ ، ثم فصيلة . فالشعب النسب الأبعد مثل عدنان وقحطان ، سمي شعبا ; لأن القبائل منه تشعبت ، ثم القبيلة ، وهي ما انقسمت فيها أنساب الشعب مثل ربيعة ومضر ، سميت قبيلة لتقابل الأنساب فيها . ثم العمارة ، وهي ما انقسمت فيها أنساب القبائل مثل قريش وكنانة . ثم البطن ، وهو ما انقصمت فيه أنساب العمارة مثل بني عبد مناف وبني مخزوم . ثم الفخذ وهو ما انقسمت فيه أنساب البطن مثل [ ص: 256 ] بني هاشم وبني أمية . ثم الفصيلة وهي ما انقسمت فيها أنساب الفخذ مثل بني أبي طالب وبني العباس ، فالفخذ يجمع الفصائل ، والبطن يجمع الأفخاذ ، والعمارة تجمع البطون ، والقبيلة تجمع العمائر ، والشعب يجمع القبائل ، وإذا تباعدت الأنساب صارت القبائل شعوبا والعمائر قبائل .

                                      وإن كانوا عجما لا يجتمعون على نسب فالذي يجمعهم عند فقد النسب أمران : إما أجناس وإما بلاد ، فالمتميزون بالأجناس كالترك والهند ثم يميز الترك أجناسا والهند أجناسا والمتميزون بالبلاد كالديلم والجبل : ثم يتميز الديلم بلدانا والجبل بلدانا . وإذا تميزوا بالأجناس أو البلدان ، فإن كانت لهم سابقة في الإسلام ترتبوا عليها في الديوان ، وإن لم تكن لهم سابقة ترتبوا بالقرب من ولي الأمر ، فإن تساووا فبالسبق إلى طاعته .

                                      وأما الترتيب الخاص فهو ترتيب الواحد بعد الواحد يرتب بالسابقة في الإسلام ، فإن تكافئوا في السابقة ترتبوا بالدين ، فإن تقاربوا فيه ترتبوا بالسن ، فإن تقاربوا فيها ترتبوا بالشجاعة ، فإن تقاربوا فيها فولي الأمر بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة أو يرتبهم عن رأيه واجتهاده .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية