الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 96 ] القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( والسلوى )

قال أبو جعفر : و" السلوى " اسم طائر يشبه السمانى ، واحده وجماعه بلفظ واحد ، كذلك السمانى لفظ جماعها وواحدها سواء . وقد قيل : إن واحدة السلوى سلواة .

ذكر من قال ذلك :

979 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثني عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : السلوى طير يشبه السمانى .

980 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كان طيرا أكبر من السمانى .

981 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : السلوى : طائر كانت تحشرها عليهم الريح الجنوب .

982 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : السلوى : طائر .

983 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : السلوى طير .

984 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد قال : سمعت وهبا - وسئل : ما السلوى ؟ فقال : طير سمين مثل الحمام .

[ ص: 97 ] 985 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : السلوى طير .

986 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : السلوى كان طيرا يأتيهم مثل السمانى .

987 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن مجالد ، عن عامر ، قال : السلوى السمانى .

988 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : السلوى ، هو السمانى .

989 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، أخبرنا أبو أحمد قال ، حدثنا شريك ، عن مجالد ، عن عامر قال : السلوى السمانى .

990 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا قرة ، عن الضحاك قال : السمانى هو السلوى .

فإن قال قائل : وما سبب تظليل الله جل ثناؤه الغمام ، وإنزاله المن والسلوى على هؤلاء القوم ؟

قيل : قد اختلف أهل العلم في ذلك . ونحن ذاكرون ما حضرنا منه : -

991 - فحدثنا موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي : لما تاب الله على قوم موسى ، وأحيا السبعين الذين اختارهم موسى بعد ما أماتهم ، أمرهم الله بالسير إلى أريحا ، وهي أرض بيت المقدس . فساروا حتى إذا كانوا قريبا منها بعث موسى اثني عشر نقيبا . فكان من أمرهم وأمر الجبارين وأمر قوم موسى ، ما قد قص الله في كتابه . [ ص: 98 ] فقال قوم موسى لموسى : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) . فغضب موسى فدعا عليهم فقال : ( رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) . فكانت عجلة من موسى عجلها ، فقال الله تعالى : ( إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض ) . فلما ضرب عليهم التيه ، ندم موسى ، وأتاه قومه الذين كانوا معه يطيعونه فقالوا له : ما صنعت بنا يا موسى ؟ فلما ندم ، أوحى الله إليه : أن لا تأس على القوم الفاسقين - أي لا تحزن على القوم الذين سميتهم فاسقين - فلم يحزن ، فقالوا : يا موسى كيف لنا بماء هاهنا ؟ أين الطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن - فكان يسقط على شجر الترنجبين - والسلوى وهو طير يشبه السمانى فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير ، إن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله ، فإذا سمن أتاه . فقالوا : هذا الطعام ، فأين الشراب ؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، فشرب كل سبط من عين . فقالوا : هذا الطعام والشراب ؟ فأين الظل ؟ فظلل عليهم الغمام . فقالوا : هذا الظل ، فأين اللباس ؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ، ولا يتخرق لهم ثوب ، فذلك قوله : ( وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى ) وقوله : ( وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم ) . [ البقرة : 60 ] .

992 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما تاب الله عز وجل على بني إسرائيل ، وأمر موسى أن يرفع عنهم السيف من عبادة العجل ، أمر موسى أن يسير بهم إلى الأرض المقدسة ، وقال : إني قد كتبتها لكم دارا وقرارا ومنزلا فاخرج إليها ، وجاهد من فيها من العدو ، فإني ناصركم [ ص: 99 ] عليهم . فسار بهم موسى إلى الأرض المقدسة بأمر الله عز وجل . حتى إذا نزل التيه - بين مصر والشام ، وهي أرض ليس فيها خمر ولا ظل - دعا موسى ربه حين آذاهم الحر ، فظلل عليهم بالغمام ; ودعا لهم بالرزق ، فأنزل الله لهم المن والسلوى .

993 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبى جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس -

994 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( وظللنا عليكم الغمام ) ، قال : ظلل عليهم الغمام في التيه ، تاهوا في خمسة فراسخ أو ستة ، كلما أصبحوا ساروا غادين ، فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه . فكانوا كذلك حتى مرت أربعون سنة . قال : وهم في ذلك ينزل عليهم المن والسلوى ، ولا تبلى ثيابهم . ومعهم حجر من حجارة الطور يحملونه معهم ، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا .

995 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد قال ، سمعت وهبا يقول : إن بني إسرائيل - لما حرم الله عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض - شكوا إلى موسى فقالوا : ما نأكل ؟ فقال : إن الله سيأتيكم بما تأكلون . قالوا : من أين لنا ؟ إلا أن يمطر علينا خبزا ! قال : إن الله عز وجل سينزل عليكم خبزا مخبوزا . فكان ينزل عليهم المن - سئل وهب : ما المن ؟ قال : خبز الرقاق مثل الذرة أو [ ص: 100 ] مثل النقي - قالوا : وما نأتدم ؟ وهل بد لنا من لحم ؟ قال : فإن الله يأتيكم به . فقالوا : من أين لنا ؟ إلا أن تأتينا به الريح ! قال : فإن الريح تأتيكم به . فكانت الريح تأتيهم بالسلوى - فسئل وهب : ما السلوى ؟ قال : طير سمين مثل الحمام ، كانت تأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت - قالوا : فما نلبس ؟ قال : لا يخلق لأحد منكم ثوب أربعين سنة . قالوا : فما نحتذي ؟ قال : لا ينقطع لأحدكم شسع أربعين سنة . قالوا : فإن يولد فينا أولاد ، فما نكسوهم ؟ قال : ثوب الصغير يشب معه . قالوا : فمن أين لنا الماء ؟ قال : يأتيكم به الله . قالوا : فمن أين ؟ إلا أن يخرج لنا من الحجر ! فأمر الله تبارك وتعالى موسى أن يضرب بعصاه الحجر . قالوا : فما نبصر ! تغشانا الظلمة ! فضرب لهم عمودا من نور في وسط عسكرهم ، أضاء عسكرهم كله ، قالوا : فبم نستظل ؟ فإن الشمس علينا شديدة ! قال : يظلكم الله بالغمام .

996 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد ، فذكر نحو حديث موسى بن هارون ، عن عمرو بن حماد ، عن أسباط ، عن السدي .

997 - حدثني القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج : قال عبد الله بن عباس : خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق [ ص: 101 ] ولا تدرن . قال ، وقال ابن جريج : إن أخذ الرجل من المن والسلوى فوق طعام يوم فسد ، إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت ، فلا يصبح فاسدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية