الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب نكاح الأكفاء

( قال ) رضي الله عنه : قد قدمنا بيان ما هو مقصود هذا الباب وهو اعتبار الكفاءة في النكاح ، وصحة عقد النكاح من كفء بمهر مثلها بمباشرتها أو بمباشرة غيرها برضاها بغير ولي ، واستدل على ذلك بآثار رويت فمنه حديث جعفر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وكان الذي ولي عقد النكاح النجاشي ومهرها عنه أربعمائة دينار } ومنه حديث عائشة رضي الله عنها أنها زوجت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر من المنذر بن الزبير رضي الله عنه وعبد الرحمن غائب فقال : أمثلي يفتات عليه في بناته ، فقالت عائشة : رضي الله عنها أوترغب عن المنذر لتملكن أمرها عبد الرحمن فملكها فقال : ما بي رغبة عنه ، ومنه حديث عبد الرحمن بن مروان رضي الله عنه قال : زوجت امرأة معنا في الدار ابنتيها فجاء أولياؤها فخاصموها إلى علي رضي الله عنه فأجاز النكاح ، ومنه حديث بحرية بنت هانئ قالت : زوجت نفسي من القعقاع بن شور فخاصم أبي إلى علي رضي الله عنه فأجاز النكاح ، ولكن الحجة بهذه الآثار على الشافعي رضي الله عنه حيث يقول : لا ينعقد النكاح بعبارة النساء ، فأما على قول محمد رحمه الله تعالى لا تقوى الحجة ببعض هذه الآثار ، فإنه يقول في حديث النجاشي : إنه كان هو الولي لأنها كانت مسلمة في ولايته ، فإن أم حبيبة رضي الله تعالى عنها [ ص: 108 ] من جملة من هاجر إلى الحبشة ، ولأن عقد عائشة رضي الله تعالى عنها كان موقوفا على إجازة عبد الرحمن ، وكذلك ما أجازه علي رضي الله تعالى عنه إنما أجازه بولاية السلطنة ، ثم استكثر من الشواهد في جواز تزويج المرأة نفسها من كفء ، فمن ذلك أن الولي لو عضلها فخاصمته إلى السلطان ، فإنه يحق على السلطان أن يأمر الولي بذلك ، وإن أبى أن يزوجها ; السلطان ، فإذا صنعت هي بنفسها كيف تحكم ببطلان ما صنعت ، وكذلك لو أن رجلا أعتق أم ولده ولها ولد ثم تزوجها من غير أن يعلم ولدها منه ، أما كان يجوز هذا النكاح باعتبار أن الولي هذا الولد ، أرأيت لو أن امرأة أعتقت أباها وهو معتوه فزوجته أما كان يجوز هذا ، فإذا كانت تملك أن تزوج أباها فكيف لا تملك أن تزوج نفسها ، واستكثر من هذا الجنس من الشواهد ، وقد ذكر في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى أن ابن أبي ليلى قال : لا يجوز ذلك وأن أبا يوسف ومحمدا رحمهما الله تعالى قالا لا يجوز ذلك حتى يجيزه القاضي أو الولي ، وقد تقدم بيان ما فيه من اختلاف الروايات عنهما ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

التالي السابق


الخدمات العلمية