الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 31 ] الباب الثالث في الشهادة على الدم

                                                                                                                                                                        صفات الشهود ، ونصب الشهادات ، وشروطها تستوفى في كتاب الشهادات ، لكن ذكر الشافعي رضي الله عنه مسائل تتعلق بالشهادة على الجناية ، فراعى معظم الأصحاب ترتيبه ، فكل قتل أو جرح يوجب القصاص ، لا يثبت إلا بشهادة رجلين يشهدان على نفس القتل أو الجرح ، أو إقرار الجاني به ، وما لا يوجب إلا الدية ، كالخطأ وشبه العمد ، وجناية الصبي والمجنون ، ومسلم على ذمي ، وحر على عبد ، وأب على ابن ، يثبت بشهادة رجل وامرأتين ، وبرجل ويمين ، ولو كانت الجناية المدعاة بحيث توجب القصاص ، وقال المدعي : عفوت عن القصاص فاقبلوا مني رجلا وامرأتين ، أو شاهدا ويمينا لأخذ المال ، فهل يقبل ويثبت المال ؟ وجهان ، الأصح المنصوص : المنع ; لأنها في نفسها موجبة للقصاص ، ومنهم من قطع بهذا ، ومن القسم الأول ، موضحة توجب القصاص ، ومن الثاني ، هاشمة ومأمومة وجائفة تجردت عن الإيضاح ، فلو كانت هاشمة مسبوقة بإيضاح ، فهل يثبت أرش الهاشمة برجل وامرأتين ، وبشاهد ويمين ؟ النص أنه لا يثبت ، ونص فيما لو رمى سهما إلى زيد ، فمرق منه إلى غيره ، أنه يثبت الخطأ الوارد على الثاني برجل وامرأتين ، وبشاهد ويمين .

                                                                                                                                                                        وفيهما طريقان ، أحدهما : على قولين ، ثبوت الهشم والجناية على الثاني برجل وامرأتين ، وبشاهد ويمين ، والثاني : المنع ، والمذهب تقرير النصين ، والفرق أن الهشم المشتمل على الإيضاح جناية واحدة ، وإذا اشتملت الجناية على ما يوجب القصاص ، احتيط لها ، ولم يثبت إلا بحجة كاملة ، وفي صورة مروق السهم حصل جنايتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى ، قال الإمام : ولو قال المدعي : أصاب سهمه الرجل [ ص: 32 ] الذي قصده ، ونفذ منه إلى أبي فقتله ، ولم تكن الجناية الأولى متعلق حق المدعي ، وجب القطع بثبوت الخطأ بالبينة الناقصة ، ومحل الخلاف ما إذا كانت الجناية الأولى متعلق حق المدعي ، قال : وفيه احتمال ، قال : ولو ادعى أنه أوضح رأسه ، ثم عاد وهشمه ، ينبغي أن يثبت أرش الهاشمة برجل وامرأتين ; لأنها لم تتصل بالموضحة ، ولم تتحد الجناية ، قال : ولو ادعى مع القصاص مالا من جهة لا تتعلق بالقصاص ، وأقام على الدعويين رجلا وامرأتين ، فالمذهب ثبوت المال ، وبه قطع الجمهور ، وأبعد بعضهم فخالف فيه ، وفي " الوسيط " أنه لا خلاف أنه لو ادعى قتل عمرو خطأ ، فشهدوا ، وذكروا مروق السهم إليه من زيد لا يقدح في الشهادة ; لأن زيدا ليس مقصودا بها ، فإذا أثبتنا الهاشمة المسبوقة بإيضاح ، وأوجبنا أرشها ، قال صاحب " التقريب " : في وجوب القصاص في الموضحة وجهان ، وجه الوجوب التبعية للهاشمة ، وقال الشيخ أبو علي والأئمة : لا قصاص في الموضحة ، وفي أرشها وجهان ; لأنا وجدنا متعلقا لثبوت المال ، فلا يبعد أن يستتبع مال مالا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية