الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 309 ] ص - ( مسألة ) : المسألة التي لا قاطع فيها ، قال القاضي والجبائي : كل مجتهد فيها مصيب ، وحكم الله فيها تابع لظن المجتهد .

            وقيل : المصيب واحد . ثم منهم من قال : لا دليل عليه ، كدفين يصاب .

            وقال الأستاذ : إن دليله ظني ، فمن ظفر به ، فهو المصيب .

            وقال المريسي والأصم : دليله قطعي ، والمخطئ آثم .

            ونقل عن الأئمة الأربعة التخطئة والتصويب . فإن كان فيها قاطع ، فقصر ، فمخطئ آثم ; وإن لم يقصر ، فالمختار مخطئ غير آثم .

            لنا : لا دليل على التصويب ، والأصل عدمه .

            وصوب غير معين للإجماع .

            وأيضا : لو كان مصيبا لاجتمع النقيضان ; لأن استمرار قطعه مشروط ببقاء ظنه للإجماع على أنه لو ظن غيره ، لوجب الرجوع ، فيكون ظانا عالما بشيء واحد .

            التالي السابق


            ش - اختلفوا في المسألة التي لا قاطع فيها .

            فقال القاضي والجبائي : كل مجتهد في تلك المسألة مصيب ، [ ص: 310 ] ولم يكن قبل الاجتهاد حكم فيها ، وحكم الله فيها تابع لظن المجتهد ، أي يكون حكم الله في حق كل مجتهد ما أدى إليه اجتهاده .

            وقيل : المصيب فيها واحد ; لأن الحكم في كل واقعة لا يكون إلا معينا .

            ثم اختلفوا فيما بينهم :

            فمنهم من قال : لا دليل عليه ، بل هو كدفين يصاب بطريق الاتفاق ، فمن ظفر به فهو المصيب ، ومن لم يصبه فهو المخطئ ، ومنهم من قال : عليه دليل .

            ثم اختلفوا فيما بينهم ، فقال الأستاذ : إن دليله ظني ، فمن ظفر به فهو المصيب ، وله أجران ، ومن لم يصبه ، فهو مخطئ ، وله أجر واحد .

            وقال المريسي والأصم : دليله قطعي ، والمخطئ آثم .

            ونقل عن الأئمة الأربعة الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد التخطئة والتصويب .

            [ ص: 311 ] فإن كان في المسألة دليل قاطع ، فقصر المجتهد في طلبه ، ولم يظفر به ، فمخطئ آثم ، وإن لم يقصر فالمختار مخطئ غير آثم .

            واحتج المصنف عليه بثلاثة وجوه :

            الأول : لا دليل على تصويب الكل ، والأصل عدمه ، وما لا دليل عليه لا يجوز القول به .

            وصوب واحد غير معين ; لأن الإجماع منعقد على أن أحدهما مصيب ، ضرورة استحالة تخطئة الكل .

            وتصويب واحد معين ترجيح بلا مرجح ، فتعين أن يكون المصيب واحدا غير معين .

            الثاني : لو كان مصيبا لاجتمع النقيضان .

            والتالي باطل . بيان الملازمة أن الكل لو كان مصيبا ، فالمجتهد إذا ظن أن حكم الله في حقه ما أدى إليه اجتهاده ، جزم وقطع بأن الحكم ذلك ، ضرورة علمه بأنه كل مجتهد مصيب .

            وإذا قطع ، استمر قطعه ; إذ الأصل بقاء الشيء على ما كان ، واستمرار قطعه مشروط ببقاء ظنه للإجماع على أنه لو ظن غيره ، [ ص: 312 ] وجب الرجوع ، فيكون ظانا عالما بشيء واحد في زمان واحد ، فيلزم اجتماع النقيضين ضرورة اقتضاء القطع عدم احتمال النقيض ، والظن احتمال النقيض .




            الخدمات العلمية