الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب في العمرى والرقبى 2488 - ( عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { العمرى ميراث لأهلها ، أو قال : جائزة } متفق عليه )

                                                                                                                                            2489 - ( وعن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أعمر عمرى فهي لمعمره محياه ومماته ، لا ترقبوا ، من أرقب شيئا فهو سبيل الميراث } رواه أحمد وأبو داود والنسائي وفي لفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الرقبى جائزة } رواه النسائي وفي لفظ : { جعل الرقبى للذي أرقبها } رواه أحمد والنسائي وفي لفظ : { جعل الرقبى [ ص: 18 ] للوارث } رواه أحمد )

                                                                                                                                            2490 - ( وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { العمرى جائزة لمن أعمرها ، والرقبى جائزة لمن أرقبها } رواه أحمد والنسائي )

                                                                                                                                            2491 - ( وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تعمروا ولا ترقبوا ، فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته ومماته } رواه أحمد والنسائي ) .

                                                                                                                                            2492 - ( وعن جابر قال : { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له } متفق عليه وفي لفظ قال : { أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها ، فمن أعمر عمرى فهي للذي أعمر حيا وميتا ولعقبه } رواه أحمد ومسلم وفي رواية قال : { العمرى جائزة لأهلها ، والرقبى جائزة لأهلها } رواه الخمسة وفي رواية : { من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها ، وهي لمن أعمر وعقبه } رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه وفي رواية قال : { أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها ، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث } رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه وفي لفظ عن جابر : { إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : هي لك ولعقبك فأما إذا قال : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها } رواه أحمد ومسلم وأبو داود وفي رواية : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالعمرى أن يهب الرجل للرجل ولعقبه الهبة ويستثني إن حدث بك حدث ولعقبك فهي إلي وإلى عقبي ، إنها لمن أعطيها ولعقبه } رواه النسائي ) .

                                                                                                                                            2493 - ( وعن جابر أيضا : { أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخيل حياتها فماتت ، فجاء إخوته فقالوا : نحن فيه شرع سواء ، قال : فأبى ، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقسمها بينهم ميراثا } رواه أحمد )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث زيد بن ثابت أخرجه أيضا ابن ماجه وابن حبان وحديث ابن عباس قال الحافظ في الفتح إسناده صحيح وحديث ابن عمر هو من طريق ابن جريج عن عطاء [ ص: 19 ] عن حبيب بن أبي ثابت عنه ، وقد اختلف في سماع حبيب من ابن عمر فصرح به النسائي ورجال إسناده ثقات وحديث جابر الآخر أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وقال ابن رسلان في شرح السنن ما لفظه : هذا الحديث رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ا هـ ويشهد لصحته أحاديث الباب المصرحة بأن المعمر والمرقب يكون أولى بالعين في حياته وورثته من بعده وفي الباب عن سمرة عند أحمد وأبي داود والترمذي ، وهو من سماع الحسن عنه وفيه مقال كما تقدم

                                                                                                                                            قوله : ( العمرى ) بضم العين المهملة وسكون الميم مع القصر قال في الفتح : وحكي ضم الميم مع ضم أوله وحكي فتح أوله مع السكون ، وهي مأخوذة من العمر وهو الحياة ، سميت بذلك لأنهم كانوا في الجاهلية يعطي الرجل الرجل الدار ويقول له : أعمرتك إياها : أي أبحتها لك مدة عمرك وحياتك ، فقيل لها عمرى لذلك ، والرقبى بوزن العمرى مأخوذة من المراقبة ، لأن كلا منهما يرقب الآخر متى يموت لترجع إليه ، وكذا ورثته يقومون مقامه هذا أصلها لغة

                                                                                                                                            قال في الفتح : ذهب الجمهور إلى أن العمرى إذا وقعت كانت ملكا للآخر ولا ترجع إلى الأول إلا إذا صرح باشتراط ذلك وإلى أنها صحيحة جائزة وحكى الطبري عن بعض الناس والماوردي عن داود وطائفة وصاحب البحر عن قوم من الفقهاء : أنها غير مشروعة ثم اختلف القائلون بصحتها إلى ما يتوجه التمليك ، فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة كسائر الهبات حتى لو كان المعمر عبدا فأعتقه الموهوب له نفذ بخلاف الواهب وقيل : يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة ، وهو قول مالك والشافعي في القديم وهل يسلك بها مسلك العارية أو الوقف ؟ روايتان عند المالكية ، وعند الحنفية التمليك في العمرى يتوجه إلى الرقبة ، وفي الرقبة إلى المنفعة ، وعنهم أنها باطلة

                                                                                                                                            وقد حصل من مجموع الروايات ثلاثة أحوال : الأول : أن يقول أعمرتكها ويطلق ، فهذا تصريح بأنها للموهوب له ، وحكمها حكم المؤبدة لا ترجع إلى الواهب ، وبذلك قالت الهادوية والحنفية والناصر ومالك ، لأن المطلقة عندهم حكمها حكم المؤبدة ، وهو أحد قولي الشافعي والجمهور ، وله قول آخر : إنها تكون عارية ترجع بعد الموت إلى المالك وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المطلقة للمعمر ولورثته من بعده كما في أحاديث الباب الحال الثاني : أن يقول : هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلي ، فهذه عارية مؤقتة ترجع إلى المعير عند موت المعمر ، وبه قال أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية ، والأصح عند أكثرهم لا ترجع إلى الواهب واحتجوا بأنه شرط فاسد فيلغى ، واحتجوا بحديث جابر الأخير { فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على الأنصاري الذي أعطى أمه الحديقة حياتها أن لا ترجع إليه بل تكون لورثتها } ويؤيد هذا الحديث الرواية التي قبله { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في العمرى مع الاستثناء بأنها لمن أعطيها } ويعارض ذلك [ ص: 20 ] ما في حديث جابر أيضا المذكور في الباب بلفظ : { فأما إذا قلت : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها } ولكنه قال معمر : كان الزهري يفتي به ولم يذكر التعليل ، وبين من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري أن التعليل من قول أبي سلمة قال الحافظ : وقد أوضحته في كتاب المدرج والحاصل أن الروايات المطلقة في أحاديث الباب تدل على أن العمرى والرقبى تكون للمعمر والمرقب ولعقبه ، سواء كانت مقيدة بمدة العمر أو مطلقة أو مؤبدة

                                                                                                                                            ويؤيد ذلك الروايتان المتقدمتان في دليل من قال : إن المقيدة بمدة الحياة لها حكم المؤبدة ، وهذه الرواية القاضية بالفرق بين التقييد بمدة الحياة وبين الإطلاق والتأبيد معلولة بالإدراج فلا تنتهض لتقييد المطلقات ولا لمعارضة ما يخالفها . الحال الثالث : أن يقول : هي لك ولعقبك من بعدك أو يأتي بلفظ يشعر بالتأبيد ، فهذه حكمها حكم الهبة عند الجمهور وروي عن مالك : أنه يكون حكمها حكم الوقف إذا انقرض المعمر وعقبه رجعت إلى الواهب وأحاديث الباب القاضية بأنها ملك للموهوب له ولعقبه ترد عليه

                                                                                                                                            قوله : ( فهي لمعمره ) بضم الميم الأولى وفتح الثانية مفعول من أعمر قوله : ( محياه ومماته ) بفتح الميمين : أي مدة حياته وبعد موته قوله : ( لا تعمروا . . . إلخ ) قال القرطبي : لا يصح حمل هذا النهي على التحريم لصحة الأحاديث المصرحة بالجواز وقيل : إن النهي يتوجه إلى اللفظ الجاهلي لأن الجاهلية كانت تستعملها كما تقدم وقيل : النهي يتوجه إلى الحكم ولا ينافي الصحة وفيه نظر لأن معنى النهي حقيقة التحريم المستلزم للفساد المرادف للبطلان إلا أن يحمل على الكراهة بقرينة قوله صلى الله عليه وسلم : { العمرى جائزة } قوله : ( فمن أعمر ) بضم الهمزة ، وكذا قوله : ( أو أرقبه ) .

                                                                                                                                            قوله : ( ولعقبه ) بكسر القاف وسكونها للتخفيف ، والمراد ورثته الذين يأتون بعده قوله : ( حديقة ) هي البستان يكون عليه الحائط ، فعيلة بمعنى مفعولة ; لأن الحائط أحدق بها : أي أحاط ، ثم توسعوا حتى أطلقوا الحديقة على البستان وإن كان بغير حائط قوله : ( شرع ) بفتح الشين المعجمة والراء : أي سواء ذكر معنى ذلك في القاموس




                                                                                                                                            الخدمات العلمية