الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الصلاة على القبر

                                                                                                          1037 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا الشيباني حدثنا الشعبي أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ورأى قبرا منتبذا فصف أصحابه خلفه فصلى عليه فقيل له من أخبركه فقال ابن عباس قال وفي الباب عن أنس وبريدة ويزيد بن ثابت وأبي هريرة وعامر بن ربيعة وأبي قتادة وسهل بن حنيف قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق وقال بعض أهل العلم لا يصلى على القبر وهو قول مالك بن أنس وقال عبد الله بن المبارك إذا دفن الميت ولم يصل عليه صلي على القبر ورأى ابن المبارك الصلاة على القبر وقال أحمد وإسحق يصلى على القبر إلى شهر وقالا أكثر ما سمعنا عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا الشيباني ) هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني ( أخبرنا الشعبي ) هو عامر بن شراحيل الشعبي من كبار التابعين قال : أدركت خمسمائة من الصحابة ( ورأى قبرا منتبذا ) قال في النهاية أي : منفردا عن القبور بعيدا عنها ( فصف أصحابه فصلى عليه ) أي : على القبر ، وفي رواية البخاري : فأمهم وصلوا خلفه ( فقيل له ) أي : للشعبي ( من أخبرك ) أي : بهذا الحديث ( فقال ابن عباس ) أي : فقال الشعبي أخبرني ابن عباس ، وفي رواية البخاري : قلت من حدثك هذا يا أبا عمرو ؟ قال ابن عباس ، قال الحافظ في الفتح : القائل هو الشيباني والمقول له هو الشعبي ، قال وسياق الطرق الصحيحة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه في صبيحة دفنه .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أنس ) أخرجه البزار ( وبريدة ) أخرجها البيهقي ( ويزيد بن ثابت ) أخرجه أحمد ، والنسائي ص 326 ( وأبي هريرة ) أخرجه البخاري ، ومسلم ( وعامر بن ربيعة ) أخرجه ابن ماجه ( وأبي قتادة ) أخرجه البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر البراء ، وفي رواية بعد شهر ، كذا في النيل ( وسهل بن حنيف ) أخرجه ابن عبد البر في كتابه التمهيد ، قال الإمام أحمد : رويت الصلاة على القبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه حسان ، قال ابن عبد البر : بل من تسعة ، كلها حسان ، وساقها كلها بأسانيده في تمهيده من حديث سهل بن حنيف وأبي هريرة وعامر بن ربيعة وابن عباس وزيد بن ثابت الخمسة في صلاته على المسكينة ، وسعد بن عبادة في صلاة المصطفى على أم سعد بعد دفنها بشهر ، وحديث الحصين بن وحوح في صلاته على قبر طلحة ابن البراء ، وحديث أبي أمامة بن ثعلبة أنه صلى الله عليه وسلم رجع من بدر ، وقد توفيت أم أبي أمامة فصلى عليها ، وحديث أنس أنه صلى على امرأة بعدما دفنت ، وهو محتمل للمسكينة وغيرها ، وكذا ورد من حديث بريدة عند البيهقي وسماها محجنة ، كذا في التعليق الممجد .

                                                                                                          [ ص: 113 ] قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) ، وأخرجه البخاري ، ومسلم .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا ) أي : على مشروعية الصلاة على القبر ( وهو قول الشافعي ، وأحمد وإسحاق ) سواء صلي على الميت ، أو لا ، وهو قول الجمهور . انتهى ، واستدلوا بأحاديث الباب ( وقال بعض أهل العلم : لا يصلى على القبر ، وهو قول مالك بن أنس ) قال ابن المنذر : ومنعه النخعي ، ومالك وأبو حنيفة وعنهم إن دفن قبل أن يصلى عليه شرع وإلا فلا ، وأجابوا عن أحاديث الباب بأن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، واستدلوا على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عند مسلم إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم ، قالوا صلاته صلى الله عليه وسلم كانت لتنوير القبر ، وهذا لا يوجد في صلاة غيره ، فلا يكون الصلاة على القبر مشروعا ، وأجاب ابن حبان عن ذلك بأن في ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره وأنه ليس من خصائصه ، وتعقب بأن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلا للأصالة ، ومن جملة ما أجاب به الجمهور عن هذه الزيادة ، أنها مدرجة في هذا الإسناد ، وهي من مراسيل ثابت ، بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد ، قال الحافظ : وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب بيان المدرج ، قال البيهقي : يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد . انتهى . قلت : وقع في حديث يزيد بن ثابت عند النسائي قال لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا يعني : آذنتموني به فإن صلاتي له رحمة وهذا ليس بمرسل ، وأجاب الشوكاني بأن الاختصاص لا يثبت إلا بدليل ، ومجرد كون الله ينور القبور بصلاته صلى الله عليه وسلم على أهلها لا ينفي مشروعية الصلاة على القبر لغيره لا سيما بعد قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وقال عبد الله بن المبارك إذا دفن الميت ولم يصل عليه إلخ ) قال الشوكاني في النيل : وأما من لم يصل عليه ففرض الصلاة عليه الثابت بالأدلة وإجماع الأمة باق ، وجعل الدفن مسقطا لهذا الفرض محتاج إلى دليل قال : وقد استدل بحديث الباب يعني : حديث ابن عباس المذكور على رد قول من فصل فقال : يصلى على قبر من لم يكن قد صلي عليه قبل الدفن لا من كان قد صلي عليه ؛ لأن القصة وردت فيمن قد صلي عليه ، والمفصل هو بعض المانعين .

                                                                                                          [ ص: 114 ] قوله : ( وقال أحمد وإسحاق : يصلى على القبر إلى شهر ) قال الأمير اليماني في سبل السلام ص 194 : واختلف القائلون بالصلاة على القبر في المدة التي شرعت فيها الصلاة فقيل إلى شهر بعد دفنه ، وقيل إلى أن يبلى الميت ؛ لأنه إذا بلي لم يبق ما يصلى عليه ، وقيل أبدا ؛ لأن المراد من الصلاة عليه الدعاء ، وهو جائز في كل وقت ، قال : هذا هو الحق إذ لا دليل على التحديد بمدة . انتهى . قلت استدل أحمد وإسحاق ، وغيرهما ممن قال إلى شهر بحديث سعيد بن المسيب الذي رواه الترمذي في هذا الباب ، قال الحافظ في التلخيص بعد ذكره : ورواه البيهقي وإسناده مرسل صحيح . انتهى ، وروى الدارقطني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد شهر ، وروي عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ميت بعد ثلاث . قلت : الظاهر الاقتصار على المدة التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما القياس على مطلق الدعاء وتجويزه في كل وقت ففيه نظر كما لا يخفى .




                                                                                                          الخدمات العلمية