الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            (كتاب الجهاد) عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ، ولا صلاة حتى يرجع زاد مسلم في أوله قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ما يعدل الجهاد في سبيل الله ؟ قال لا تستطيعونه قال فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا تستطيعونه .

                                                            التالي السابق


                                                            كتاب الجهاد الحديث الأول .

                                                            عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ، ولا صلاة حتى يرجع . (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه مسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه [ ص: 193 ] عن أبي هريرة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل قال لا تستطيعونه قال فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا تستطيعونه قال في الثالثة مثل المجاهد فذكره إلا أنه قال بدل القائم القانت بآيات الله ، وأخرجه البخاري من رواية أبي حفص عن أبي صالح عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال دلني على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ، ولا تفتر ، وتصوم ولا تفطر ، قال ومن يستطيع ذلك ؟ قال أبو هريرة إن فرس المجاهد لتستن في طوله فتكتب له حسنات ومن طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بلفظ مثل المجاهد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم .

                                                            (الثانية) قال القاضي عياض هذا تعظيم لأمر الجهاد جدا لأن الصلاة والصيام والقيام بآيات الله أفضل الأعمال فقد عدلها المجاهد ، وصارت جميع حالاته من تقلبه في تصرفاته من أكله ونومه وبيعه وشرائه لما يحتاجه ، وأجره في ذلك كأجر المثابر على الصوم والصلاة ، وتلاوة كتاب الله الذي لا يفتر ، وقليل ما يقدر عليه ، ولذلك قال لا تستطيعونه ، وفيه أن الفضائل لا تدرك بالقياس ، وإنما هي من الله عطاء وإحسان قلت المجاهد في جميع حالاته في عبادة مع المشقة البدنية والقلبية ، ومخاطرته بنفسه التي هي أعز الأشياء عنده ، وبذله لها في رضى الله تعالى .

                                                            (الثالثة) قوله (حتى ترجع) الظاهر أنه أراد به انتهاء رجوعه إلى وطنه ، وأكد بهذه الغاية استيعاب هذا الفضل جميع حالاته بحيث لا يخرج في حالة من الأحوال عن كونه مثل الصائم القائم الدائم ، ويحتمل أن المراد ابتداء رجوعه ، وهو بعيد .

                                                            (الرابعة) فيه أن الجهاد أفضل الأعمال لأنه شبه المجاهد في حالة الجهاد ، وفي وسائله ومقدماته بحالة من لا يفتر من صلاة وصيام وقراءة فكان هو بمفرده كهذه الأعمال بمجموعها ، وهو قياس قول القاضي حسين من أصحابنا أن الحج أفضل الأعمال لاشتماله على عمل البدن ، والمال ، وقال ابن دقيق العيد في شرح العمدة القياس يقتضي أن الجهاد أفضل الأعمال التي هي [ ص: 194 ] وسائل فإن العبادات على قسمين مقصود لنفسه ، ووسيلة إلى غيره ، وفضيلة الوسيلة بحسب فضيلة المتوسل إليه ، والجهاد وسيلة إلى إعلان الدين ونشره وإخمال الكفر ودحضه ففضيلته بحسب فضيلة ذلك .




                                                            الخدمات العلمية