الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن أراد أن يسجد فوقع على الأرض ثم انقلب فأصابت جبهته الأرض ، فإن نوى السجود حال الانقلاب أجزأه كما لو اغتسل للتبرد [ والتنظيف ] ونوى رفع الحدث ، وإن لم ينوه لم يجزئه كما لو توضأ للتبرد ، ولم ينو رفع الحدث ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : يشترط لصحة السجود أن لا يقصد بهويه إليه غيره ولو سقط إلى الأرض من الاعتدال قبل قصد الهوي ، لم يحسب ذلك السجود ، بل عليه أن يعود إلى الاعتدال ويسجد منه ; لأنه لا بد من نية فعل ولم يوجد واحد منهما ، ولو هوى ليسجد فسقط على الأرض بجبهته نظر إن وضع جبهته على الأرض بنية الاعتماد لم يحسب عن السجود ، وإن لم يحدث هذه النية حسب سواء قصد أم لم يقصد شيئا .

                                      نص الشافعي على هذا التفصيل في الأم واتفق الأصحاب عليه ، وممن نقل الاتفاق عليه إمام الحرمين ولو هوى ليسجد فسقط على جنبه فانقلب وأتى بصورة السجود ، فإن قصد السجود اعتد به ، نص عليه في الأم واتفق عليه الأصحاب ، وإن قصد الاستقامة وقصد أيضا صرفه عن السجود لم يحسب له بلا خلاف ، نص عليه في الأم واتفقوا عليه .

                                      قال إمام الحرمين وغيره : وتبطل صلاته ; لأنه زاد فعلا لا يزاد مثله في [ ص: 412 ] الصلاة ، وإن قصد الاستقامة ولم يقصد صرفه عن السجود ، بل غفل عنه لم يجزئه على الصحيح المنصوص في الأم ، وبه قطع الأكثرون ، وفيه وجه حكاه إمام الحرمين فخرج من الخلاف في مسألة نية التبرد في الوضوء إذا عرضت في أثنائها الغفلة عن نية الحدث ، لكن لا تبطل صلاته ، بل يكفيه أن يعتدل جالسا ، ثم يسجد ، ولا يجوز أن يقوم ليسجد من قيام فلو قام كان زائدا قياما متعمدا ، فتبطل صلاته إن علم تحريمه ، ولكن لإمام الحرمين احتمال لنفسه يلزمه القيام ليسجد منه واستضعفه ، وقال : الأظهر أنه لا يقوم ، وإن لم يقصد السجود ولا الاستقامة أجزأه ذلك عن السجود بلا خلاف ، ونقل إمام الحرمين الاتفاق عليه .



                                      ( فرع ) في مسائل تتعلق بالسجود ( إحداها ) : قال أصحابنا الخراسانيون : التنكس في السجود شرط لصحته قالوا : وللساجد ثلاثة أحوال ( إحداها ) : أن تكون أسافله أعلى من أعاليه فتكون عجيزته مرتفعة عن رأسه ومنكبيه ، فهذه هيئة التنكس المطلوبة ، ومتى كان المكان مستويا فحصولها هين ، ولو كان موضع الرأس مرتفعا قليلا فقد رفع أسافله ، وتحصل هذه الهيئة أيضا وتصح صلاته بلا شك .

                                      ( الثانية ) : أن تكون أعاليه أرفع من أسافله ، بأن يضع رأسه على ارتفاع فيصير رأسه أعلى من حقويه ، فلا يجزئه لعدم اسم السجود كما لو أكب على وجهه ومد رجليه ، فإنه لا يجزيه بلا شك . قال صاحب التتمة : إلا أن تكون به علة لا يمكنه السجود إلا هكذا فيجزئه .

                                      ( الثالثة ) : أن يستوي أعاليه وأسافله لارتفاع موضع الجبهة وعدم رفعه الأسافل أو لغير ذلك ، ففي صحة صلاته وجهان . ( الصحيح ) : أنها لا تصح لفوات الهيئة المطلوبة ، وبهذا قطع الغزالي في الوجيز والبغوي ، ودليل وجوب أصل التنكس : أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { صلوا كما رأيتموني أصلي } ومعلوم : أنه صلى الله عليه وسلم كان ينكس ، وعن أبي [ ص: 413 ] إسحاق السبيعي قال : { وصف لنا البراء بن عازب رضي الله عنهما - يعني السجود - فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد } رواه أبو داود والنسائي والبيهقي وأبو حاتم بإسناد حسن ، وهذا مع قوله صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أصلي } يقتضي وجوبه والله أعلم .

                                      ولو تعذر التنكس لمرض أو لغيره ، فهل يجب وضع وسادة ونحوها ليضع الجبهة على شيء ؟ فيه وجهان . حكاهما إمام الحرمين والغزالي ومن تابعهما ( أظهرهما ) عند الغزالي : الوجوب ; لأنه يجب التنكس ووضع الجبهة على شيء ، فإذا تعذر أحدهما لزمه الآخر ( وأصحهما ) عند غيره : لا يجب ، بل يكفيه الخفض المذكور ، قال الرافعي : هذا أشبه بكلام الأكثرين ; لأن هيئة السجود متعذرة فيكفيه الخفض الممكن قال : ولا خلاف أنه لو عجز عن وضع الجبهة على الأرض وأمكنه وضعها على وسادة مع التنكيس لزمه ذلك .




                                      الخدمات العلمية