الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا هذا من ذيول الجواب عن مسألتهم عن أهل الكهف ، فهو مشارك لقوله واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك الآية ، وتقدم في سورة الأنعام عند قوله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه أن سادة المشركين كانوا زعموا أنه لولا أن من المؤمنين ناسا أهل خصاصة في الدنيا ، وأرقاء لا يدانوهم ، ولا يستأهلون الجلوس معهم لأتوا إلى مجالسة النبيء صلى الله عليه وسلم ، واستمعوا القرآن ، فاقترحوا عليه أن يطردهم من حوله إذا غشيه سادة قريش ، فرد الله عليهم بما في سورة الأنعام وما في هذه السورة وما هنا آكد إذ أمره بملازمتهم بقوله واصبر نفسك ، أي احبسها معهم حبس ملازمة ، والصبر : الشد بالمكان بحيث لا يفارقه ، ومنه سميت [ ص: 305 ] المصبورة : وهي الدابة تشد لتجعل غرضا للرمي ، ولتضمين فعل اصبر معنى الملازمة علق به ظرف ( مع ) .

و الغداة قرأه الجمهور بألف بعد الدال : اسم الوقت الذي بين الفجر وطلوع الشمس ، والعشي : المساء ، والمقصود أنهم يدعون الله دعاء متخللا سائر اليوم والليلة ، والدعاء : المناجاة والطلب ، والمراد به ما يشمل الصلوات .

والتعبير عنهم بالموصول ; للإيماء إلى تعليل الأمر بملازمتهم ، أي : لأنهم أحرياء بذلك ; لأجل إقبالهم على الله فهم الأجدر بالمقارنة والمصاحبة ، وقرأ ابن عامر " بالغدوة " بسكون الدال وواو بعد الدال مفتوحة ، وهو مرادف الغداة .

وجملة يريدون وجهه في موضع الحال ، ووجه الله : مجاز في إقباله على العبد .

ثم أكد الأمر بمواصلتهم بالنهي عن أقل إعراض عنهم .

وظاهر لا تعد عيناك عنهم نهي العينين عن أن تعدوا عن الذين يدعون ربهم ، أي أن تجاوزاهم ، أي تبعدا عنهم ، والمقصود : الإعراض ، ولذلك ضمن فعل العدو معنى الإعراض ، فعدي إلى المفعول بـ ( عن ) وكان حقه أن يتعدى إليه بنفسه يقال : عداه ، إذا جاوزه ، ومعنى نهي العينين نهي صاحبهما ، فيئول إلى معنى : ولا تعدي عينيك عنهم ، وهو إيجاز بديع .

وجملة تريد زينة الحياة الدنيا حال من كاف الخطاب ; لأن المضاف جزء من المضاف إليه ، أي لا تكن إرادة الزينة سبب الإعراض عنهم ; لأنهم لا زينة لهم من بزة وسمت .

وهذا الكلام تعريض بحماقة سادة المشركين الذين جعلوا همهم وعنايتهم بالأمور الظاهرة ، وأهملوا الاعتبار بالحقائق والمكارم النفسية ; فاستكبروا عن مجالسة أهل الفضل ، والعقول الراجحة والقلوب النيرة ، وجعلوا همهم الصور الظاهرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية