الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي

                                                                                                          1039 حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف وحميد بن مسعدة قالا حدثنا بشر بن المفضل حدثنا يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه قال فقمنا فصففنا كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت وفي الباب عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وأبي سعيد وحذيفة بن أسيد وجرير بن عبد الله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد رواه أبو قلابة عن عمه أبي المهلب عن عمران بن حصين وأبو المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمرو ويقال له معاوية بن عمرو

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          هو من سادات التابعين أسلم ولم يهاجر وهاجر المسلمون إليه إلى الحبشة مرتين ، وهو يحسن إليهم ، وأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية بكتابين ؛ أحدهما يدعوه فيه إلى الإسلام والثاني يطلب منه تزويجه بأم حبيبة ، فأخذ الكتاب ووضعه على عينيه وأسلم وزوجه أم حبيبة ، وأسلم على يده عمرو بن العاص قبل أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم فصار يلغز به فيقال صحابي كثير الحديث أسلم على يد تابعي ، كذا في ضياء الساري ، وقال الحافظ في الفتح : هو بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد [ ص: 115 ] الألف شين ، ثم ياء ثقيلة كياء النسب ، وقيل بالتخفيف ، لقب من ملك الحبشة ، وحكى المطرزي تشديد الجيم عن بعضهم وخطأه . انتهى ، قلت : كما يقال لمن ملك الفرس كسرى ، ولمن ملك الروم قيصر كذلك يقال لمن ملك الحبشة النجاشي ، وكان اسمه أصحمة ، ففي صحيح البخاري في هجرة الحبشة من طريق ابن عيينة عن ابن جريج فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة

                                                                                                          قوله : ( إن أخاكم النجاشي قد مات ) ، وفي رواية للبخاري قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش ، وفي رواية أبي هريرة عند البخاري نعي النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وفيه علم من أعلام النبوة ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم بموته في اليوم الذي مات فيه مع بعد ما بين أرض الحبشة والمدينة ( وصلينا عليه كما يصلى على الميت ) استدل به على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد ، وبذلك قال الشافعي ، وأحمد وجمهور السلف حتى قال ابن حزم : لم يأت عن أحد من الصحابة منعه ، وعن الحنفية والمالكية لا يشرع ذلك ، وقد اعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب من قصة النجاشي بأمور منها أنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد فتعينت الصلاة عليه لذلك ، ومن ثم قال الخطابي لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته ليس بها من يصلي عليه واستحسنه الروياني من الشافعية ، وبه ترجم أبو داود في السنن الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك ببلد آخر : قال الحافظ في الفتح : هذا محتمل إلا أنني لم أقف في شيء من الأخبار على أنه لم يصل عليه في بلده أحد ، ومنها أنه كشف له صلى الله عليه وسلم عنه حتى رآه فتكون صلاته عليه كصلاة الإمام على ميت رآه ولم يره المأمومون ، ولا خلاف في جوازها ، وأجيب عنه بأن هذا يحتاج إلى نقل صحيح صريح ، ولم يثبت .

                                                                                                          فإن قلت : قد روي عن ابن عباس قال : كشف للنبي صلى الله عليه وسلم عن سرير النجاشي حتى رآه وصلى عليه وأخرج ابن حبان عن عمران بن حصين قصة الصلاة على النجاشي ، وفي روايته فقام وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه أخرجه من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب عنه ، ولأبي عوانة من طريق أبان ، وغيره عن يحيى : " فصلينا خلفه ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا "

                                                                                                          [ ص: 116 ] قلت : أما رواية ابن عباس فقد ذكرها الواقدي في أسبابه بغير إسناد كما ذكره الحافظ في فتح الباري : وأما رواية عمران بن حصين بلفظ : " وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه " ، وبلفظ " ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا " ، فالمراد به أنهم صلوا عليه كما يصلون على الميت الحاضر من غير فرق ، ويدل عليه حديث الباب بلفظ : " فقمنا فصففنا كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت " ، وهو مروي عن عمران بن حصين ، ومنها أن ذلك خاص بالنجاشي ؛ لأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ميت غائب ، قاله المهلب ، وأجاب عنه الحافظ في الفتح فقال كأنه لم يثبت عنده قصة معاوية بن معاوية الليثي ، وقد ذكرت في ترجمته في الصحابة أن خبره قوي بالنظر إلى مجموع طرقه . انتهى ، ولمن لم يقل بالصلاة على الغائب اعتذارات أخرى ضعيفة لا حاجة إلى ذكرها والكلام عليها ، قال الشوكاني بعد البحث في هذه المسألة ما لفظه : والحاصل أنه لم يأت المانعون من الصلاة على الغائب بشيء يعتد به سوى الاعتذار بأن ذلك مختص بمن كان في أرض لا يصلى عليه فيها ، وهو أيضا جمود على قصة النجاشي يدفعه الأثر والنظر . انتهى . قلت : الكلام في هذه المسألة طويل مذكور في فتح الباري ، وغيره فعليك أن تراجعه .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وأبي سعيد وحذيفة بن أسيد وجرير بن عبد الله ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الجماعة ، وأما حديث جابر فأخرجه الشيخان ، وأما حديث أبي سعيد وحذيفة وجرير فلينظر من أخرجه .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) ، وأخرجه أحمد ، والنسائي ( وأبو المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمرو إلخ ) قال الحافظ في التقريب : أبو المهلب الجرمي البصري عم أبي قلابة فذكر الاختلاف في اسمه ، ثم قال ، ثقة من الثانية .

                                                                                                          [ ص: 117 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية