الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 5 ] الشرط الثالث : أن لا يسبق الجمعة ، ولا يقارنها أخرى . قال الشافعي - رحمه الله - : ولا يجمع في مصر - وإن عظم ، وكثرت مساجده - إلا في موضع واحد . وأما بغداد ، فقد دخلها الشافعي - رحمه الله - وهم يقيمون الجمعة في موضعين . وقيل : في ثلاثة ، فلم ينكر عليهم . واختلف أصحابنا في أمرها على أوجه . أصحها : أنه إنما جازت الزيادة فيها على جمعة ، لأنها بلدة كبيرة يشق اجتماعهم في موضع واحد ، فعلى هذا تجوز الزيادة على الجمعة الواحدة في جميع البلاد ، إذا كثر الناس وعسر اجتماعهم ، وبهذا قالأبو العباس ، وأبو إسحاق ، وهو الذي اختاره أكثر أصحابنا تصريحا وتعريضا . وممن رجحه : القاضي ابن كج ، والحناطي - بالحاء المهملة المفتوحة ، وتشديد النون - والقاضي الروياني ، والغزالي . والثاني : إنما جازت الزيادة فيها ، لأن نهرها يحول بين جانبيها فيجعلها كبلدتين . قاله أبو الطيب ابن سلمة . وعلى هذا لا يقام في كل جانب إلا جمعة . فكل بلد حال بين جانبيه نهر يحوج إلى السباحة ، فهو كبغداد . واعترض عليه ، بأنه لو كان الجانبان كبلدين ، لقصر من عبر من أحدهما إلى الآخر ، والتزم ابن سلمة المسألة ، وجوز القصر . والثالث : إنما جازت الزيادة ، لأنها كانت قرى متفرقة ، ثم اتصلت الأبنية ، فأجري عليها حكمها القديم ، فعلى هذا يجوز تعدد الجمعة في كل بلد هذا شأنه . واعترض عليه أبو حامد بما اعترض على الثاني . ويجاب بما أجيب في الثاني . وأشار إلى هذا الجواب صاحب " التقريب " . والرابع : أن الزيادة لا تجوز بحال ، وإنما لم ينكر الشافعي ، لأن المسألة اجتهادية ، وليس لمجتهد أن ينكر على المجتهدين . وهذا ظاهر نص الشافعي - رحمه الله - المتقدم . واقتصر عليه الشيخ أبو حامد وطبقته ، لكن المختار عند الأكثرين ما قدمناه . وحيث منعنا الزيادة على جمعة ، فعقدوا جمعتين ، فله صور .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن تسبق إحداهما فهي الصحيحة . والثانية : باطلة . وبم يعرف السبق ؟ فيه ثلاثة أوجه . أصحها : بالإحرام . والثاني : بالسلام . والثالث : [ ص: 6 ] بالشروع في الخطبة ، ولم يحك أكثر العراقيين هذا الثالث . فإذا قلنا بالأول ، فالاعتبار بالفراغ من تكبيرة الإحرام . فلو سبقت إحداهما بهمزة التكبيرة ، والأخرى بالراء منها ، فالصحيحة هي السابقة بالراء ، على الأصح . وعلى الثاني : السابقة بالهمزة . ثم على اختلاف الأوجه ، لو سبقت إحداهما ، وكان السلطان مع الأخرى ، فالأظهر أن السابقة هي الصحيحة ، ولا أثر للسلطان . والثاني : أن التي معها السلطان ، هي الصحيحة . ولو دخلت طائفة في الجمعة ، فأخبروا أن طائفة سبقتهم بما ذكرنا ، استحب لهم استئناف الظهر . وهل لهم أن يتموها ظهرا ؟ فيه الخلاف السابق ، فيما إذا خرج الوقت وهم في الجمعة .

                                                                                                                                                                        الصورة الثانية : أن تقع الجمعتان معا ، فباطلتان ، وتستأنف جمعة إن وسع الوقت .

                                                                                                                                                                        الثالثة : أن يشكل الحال ، ولا يدري اقترنتا ، أم سبقت إحداهما ، فيعيدون الجمعة أيضا ، لأن الأصل عدم جمعة مجزئة . قال إمام الحرمين : وقد حكم الأئمة بأنهم إذا أعادوا الجمعة ، برئت ذمتهم . وفيه إشكال لاحتمال تقدم إحداهما ، فلا تصح أخرى ، ولا تبرأ ذمتهم بها . فسبيل اليقين : أن يقيموا جمعة ، ثم يصلوا ظهرا .

                                                                                                                                                                        الرابعة : أن تسبق إحداهما بعينها ، ثم تلتبس ، فلا تبرأ واحدة من الطائفتين عن العهدة ، خلافا للمزني . ثم ماذا عليهم ؟ فيه طريقان . المذهب : أن عليهم الظهر . والثاني : على القولين في الصورة الخامسة ، وبه قطع العراقيون .

                                                                                                                                                                        الخامسة : أن تسبق إحداهما ولا يتعين ، بأن سمع مريضان ، أو مسافران ، تكبيرتين متلاحقتين وهما خارج المسجدين ، فأخبراهم بالحال ولم يعرفا المتقدمة ، فلا تبرأ واحدة منهما عن العهدة ، خلافا للمزني أيضا . وماذا عليهم ؟ قولان . أظهرهما في " الوسيط " : أنهم يستأنفون الجمعة . والثاني : يصلون الظهر . قال الأصحاب : وهو القياس .

                                                                                                                                                                        [ ص: 7 ] قلت : الثاني أصح ، وصححه الأكثرون . - والله أعلم -

                                                                                                                                                                        قال أصحابنا العراقيون : لو كان الإمام في إحدى الطائفتين في الصور الأربع الأخيرة ، ترتب على الصورة الأولى . فإن قلنا : التي فيها الإمام هي الصحيحة مع العلم بتأخرها ، فهنا أولى ، وإلا فلا أثر لحضوره .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية