الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [46-48] أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون .

                                                                                                                                                                                                                                      أو يأخذهم في تقلبهم أي : سعيهم في المعايش واشتغالهم بها : فما هم بمعجزين أي : لا يعجزون ربهم على أي حال كانوا .

                                                                                                                                                                                                                                      أو يأخذهم على تخوف أي : توقع للهلاك ومخافة له ، فإنه يكون أبلغ وأشد . أو ننقص في أبدانهم وأموالهم وثمارهم حتى يهلكوا . يقال : تخوفه : تنقصه وأخذ من أطرافه : فإن ربكم لرءوف رحيم أي : حيث يحلم عنكم ولا يعاجلكم بالعقوبة . ثم أخبر تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه بانقياد سائر مخلوقاته : جمادات وحيوانات ومكلفين من الجن والإنس والملائكة له سبحانه ، بقوله : أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء أي : جسم قائم له ظل : يتفيأ ظلاله أي : يرجع شيئا فشيئا : عن اليمين والشمائل أي : عن جانبي كل واحد منها ، بكرة وعشيا : سجدا لله أي : منقادة له على حسب مشيئته في الامتداد والتقلص وغيرهما ، غير ممتنعة عليه فيما سخرها له : وهم داخرون أي : صاغرون . وغلب في جمعها من يعقل ، فأتى بالواو . أو لأن الدخور من أوصاف العقلاء . فهو إما تغليب أو استعارة ، وكذا ضمير ( هم ) أيضا ؛ لأنه مخصوص بالعقلاء ، فيجوز أن يعتبر ما ذكر فيه ، ويجعل ما بعده جاريا على المشاكلة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3814 ] لطيفة :

                                                                                                                                                                                                                                      لابن الصائغ في سر توحيد اليمين وجمع الشمائل توجيه لطيف ، وملخصه : أنه نظر إلى الغاية فيهما ؛ لأن ظل الغداة يضمحل بحيث لا يبقى منه إلا اليسير ، فكأنه في جهة واحدة . وهو في العشي على العكس ، لاستيلائه على جميع الجهات . فلحظت الغايتان . هذا من جهة المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما من جهة اللفظ فجمع ليطابق ( سجدا ) المجاور له ، كما أفرد الأول لمجاورة ضمير ( ظلاله ) وقدم الإفراد لأنه أصل أخف . و ( عن اليمين ) متعلق بـ ( يتفيأ ) أو حال . كذا في (" العناية ") .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية