الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  417 باب : هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد ؟

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي : هذا باب يذكر فيه نبش قبور المشركين الذين هلكوا في الجاهلية ؛ يعني يجوز ذلك ، لما صرح به في حديث الباب .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : كيف يفسر كذلك وفيه كلمة " هل " للاستفهام ؟ قلت : " هل " هنا للاستفهام التقريري وليس باستفهام حقيقي ، صرح بذلك جماعة من المفسرين قوله تعالى : هل أتى على الإنسان ويأتي " هل " أيضا بمعنى قد ، كذا فسر الآية جماعة ، منهم ابن عباس والكسائي والفراء والمبرد ، وذكر في المقتضب هل للاستفهام نحو : هل جاء زيد ؟ وتكون بمنزلة قد نحو قوله تعالى : هل أتى على الإنسان وقد بالغ الزمخشري فزعم أنها أبدا بمعنى قد ، وإنما الاستفهام مستفاد من همزة مقدرة معها ، ونقله في المفصل عن سيبويه ، وقال في الكشاف : " هل أتى " أي : قد أتى ، على معنى التقرير والتقريب فيه جميعا ، ومن عكس الزمخشري هاهنا فقد عكس نفسه .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 172 ]

                                                                                                                                                                                  إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام

                                                                                                                                                                                  وهذا الذي ذكرنا أحسن من الذي يقال أن ذكر كلمة هل هاهنا ليس له محل ؛ لأن عادته إنما يذكر هل إذا كان حكم الباب فيه خلاف وليس هاهنا خلاف ، ولم أر شارحا هنا شفى العليل ولا أروى الغليل ، وقد فسر بعضهم باب " هل تنبش قبور مشركي الجاهلية " بقوله : أي : دون غيرها من قبور الأنبياء وأتباعهم . قلت : هذا تفسير عجيب مستفاد من سوء التصرف ؛ لأن معناه ظاهر وهو جواز نبش قبور المشركين لأنه لا حرمة لهم ، فيستفاد منه عدم جواز نبش قبور غيرهم سواء كانت قبور الأنبياء أو قبور غيرهم من المسلمين لما فيه من الإهانة لهم ، فلا يجوز ذلك لأن حرمة المسلم لا تزول حيا وميتا ، فإن كان هذا القائل اعتمد في هذا التفسير على حديث عائشة المذكور في الباب فليس فيه ذكر النبش وهو ظاهر ، وإنما فيه أنهم إذا مات فيهم رجل صالح يبنون على قبره مسجدا ويصورون فيه تصاوير ، ولا يلزم من ذلك النبش لأن بناء المسجد على القبر من غير نبش متصور .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ويتخذ مكانها مساجد ) عطف على قوله " تنبش " ، و : " مكانها " منصوب على الظرفية ، و : " مساجد " مرفوع لأنه مفعول ناب عن الفاعل وهذا الوجه إذا جعل الاتخاذ متعديا إلى مفعول واحد ، وأما إذا جعل متعديا إلى مفعولين على ما هو الأصل لأنه من أفعال التصيير كما في قوله تعالى : واتخذ الله إبراهيم خليلا - فيكون أحد المفعولين مكانها فحينئذ يرفع على أنه مفعول به قام مقام الفاعل بخلاف الوجه الأول فإنه فيه منصوب على الظرفية كما ذكرنا ، والمفعول الثاني هو مساجد بالنصب ، فافهم فإن الكرماني ذكر فيه ما لا يخلو عن نظر وتأمل .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية