الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2346 ) مسألة : قال : ( ولا يأكله إذا صاده الحلال لأجله ) لا خلاف في تحريم الصيد على المحرم إذا صاده أو ذبحه . وقد قال الله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } .

                                                                                                                                            وإن صاده حلال وذبحه ، وكان من المحرم إعانة فيه ، أو دلالة عليه ، أو إشارة إليه ، لم يبح أيضا . وإن صيد من أجله ، لم يبح له أيضا أكله . وروي ذلك عن عثمان بن عفان . وهو قول مالك ، والشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : له أكله ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة : { هل منكم أحد أمره ، أو أشار إليه بشيء ؟ قالوا : لا . قال : فكلوا ما بقي من لحمها } . متفق عليه . فدل على أن التحريم إنما يتعلق بالإشارة والأمر والإعانة ، ولأنه صيد مذكى ، لم يحصل فيه ولا في سببه صنع منه ، فلم يحرم عليه أكله ، كما لو لم يصد له . وحكي عن علي ، وابن عمر ، وعائشة ، وابن عباس ، أن لحم الصيد يحرم على المحرم بكل حال ، وبه قال طاوس . وكرهه الثوري ، وإسحاق ; لعموم

                                                                                                                                            قوله : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } . وروي عن ابن عباس ، عن الصعب بن جثامة الليثي ، أنه { أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا ، وهو بالأبواء أو بودان ، فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهه ، قال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم } . متفق عليه . وفي لفظ : { أهدى الصعب بن جثامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار . وفي رواية : عجز حمار . } وفي رواية : شق حمار . روى ذلك كله مسلم . وروى أبو داود ، بإسناده عن عبد الله بن الحارث ، عن أبيه قال : كان الحارث خليفة عثمان على الطائف ، فصنع له طعاما ، وصنع فيه من الحجل واليعاقيب ولحم الوحش ، فبعث إلى علي بن أبي طالب فجاءه فقال : أطعموه قوما حلالا ، فأنا حرم . ثم قال علي : أنشد الله من كان هاهنا من أشجع ، أتعلمون { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش ، فأبى أن يأكله } ؟ قالوا : نعم . ولأنه لحم صيد فحرم على المحرم ، كما لو دل عليه .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى جابر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه ، أو يصد لكم } . رواه أبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وقال : هو أحسن حديث في الباب . وهذا صريح في الحكم ، ; وفيه جمع بين الأحاديث ، وبيان المختلف منها ، فإن ترك النبي صلى الله عليه وسلم للأكل مما أهدي إليه ، يحتمل أن يكون لعلمه أنه صيد من أجله أو ظنه ، ويتعين حمله على ذلك ، لما قدمت من حديث أبي قتادة ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأكل الحمار الذي صاده . وعن طلحة ، { أنه أهدي له طير ، وهو راقد ، فأكل بعض أصحابه وهم محرمون ، وتورع بعض ، فلما استيقظ طلحة وافق من أكله ، وقال : أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم } . رواه مسلم .

                                                                                                                                            وفي ( الموطأ ) ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم ، حتى إذا كان بالروحاء ، إذا حمار وحش عقير ، فجاء البهزي وهو صاحبه ، فقال : يا رسول الله ، شأنكم بهذا الحمار ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق } . وهو حديث صحيح . وأحاديثهم إن لم يكن [ ص: 146 ] فيها ذكر أنه صيد من أجلهم ، فتعين ضم هذا القيد إليها لحديثنا ، وجمعا بين الأحاديث ، ودفعا للتناقض عنها ، ولأنه صيد للمحرم ، فحرم ، كما لو أمر أو أعان .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية