الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 440 ] حديث حاد وستون من البلاغات

مالك ، أنه بلغه أنه ( كان ) يقال : الحمد لله الذي خلق كل شيء كما ينبغي ، والذي لا يعجل شيء أناه وقدره ، حسبي الله وكفى ، سمع الله لمن دعا ، ليس وراء الله مرمى .

[ ص: 444 ]

التالي السابق


قال أبو عمر :

هكذا روى يحيى هذا الخبر ، شيء إناه بتخفيف يعجل من الفعل الرباعي ، وشيء رفعا في موضع الفاعل ، وإناه مكسور الهمزة مقصور في موضع المفعول ، و " قدره " كذلك اسم في موضع المفعول ، وتابع يحيى على هذه الرواية جماعة من رواة الموطأ ، وروته طائفة ، منهم : القعنبي عن مالك أنه بلغه أنه كان يقال : الحمد لله الذي خلق كل شيء كما ينبغي الذي لم يعجل شيئا أناه ، وقدره فجعل لم في موضع لا ، ويعجل مثقل ، وشيئا مفعول يعجل أناءه ممدود مفتوح الهمزة ، وقدره فعل مثقل ، فالمعنى في رواية يحيى الحمد لله الذي لا يتقدم شيء وقته أي الحمد لله الذي من حكمه ، وحكمته ، وقضائه أن لا يتقدم [ ص: 441 ] شيء وقته ، وحينه الذي قدر له ، ولا يكون شيء قبل الوقت الذي قدر له وقت ، وأناء الشيء وقته وغايته ، قال : الله - عز وجل - : ( غير ناظرين إناه ) أي وقته ، والمعنى في رواية القعنبي ، ومن تابعه : الحمد لله الذي لم يعجل شيئا سبق في علمه تأخره ، ولا نقض شيئا من قضائه وقدره ، أي كل ما سبق في اللوح المحفوظ يكون كما قضاه وقدره أي ما أخره فهو مؤخر أبدا لا يعجل ، ولا ينقض ما أبرم من قضائه ، وقدره ، وكذلك لا يبدو له فيؤخر ما قضى بتعجيله ، ولا يجرى خلقه إلا بما سبق في قضائه وقدره ، لا شريك له ، والمعنى كله في الروايتين جميعا واحد في أن الخلق كله يجري على ما سبق من علمه وقضائه وقدره ، لا يبدل القول لديه ، ولا بد من المصير إليه لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، وآنيت : أخرت .

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : للذي أتى فتخطى رقاب الناس ، وهو يخطب في الجمعة : آنيت ، وآذيت
أي أخرت المجيء ، وآذيت الناس بالتخطي .

قال الشاعر :


وآنيت العشاء إلى سهيل أو الشعرى فطال بي الإناء



حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، قال : حدثنا علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ البغدادي ، قال : حدثنا أبو عمرو سهل [ ص: 442 ] بن موسى قال : حدثنا أحمد بن عبدة ، قال : حدثنا أبو توبة نعيم بن مورع بن توبة العنبري ، قال : حدثني محمد بن سلمة المخزومي ، عن أبيه ، عن جده ، عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : يا عبد الرحمن ألا أعلمك عوذة كان إبراهيم يعوذ بها ابنيه إسماعيل وإسحاق ، وأنا أعوذ بها الحسن ، والحسين ؟ قال : قلت بلى يا رسول الله ، قال : كفى بسمع الله واعيا لمن دعا ، إلا مرمى وراء أمر الله لرام رمى .

وأخبرنا قاسم بن محمد ، حدثنا خالد بن سعد ، حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور ، حدثنا ابن سنجر ، حدثنا إسماعيل بن أبان الوراق ، حدثنا محمد بن يعلى ، حدثنا أبو توبة بن مورع العنبري ، عن محمد بن خالد المخزومي ، عن أبيه ، عن جده ، عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : فذكره سواء ، وصلى الله على محمد .

أخبرني أبو عبد الله محمد بن خليفة - رحمه الله - قراءة مني عليه ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الفرياني ، قال : حدثنا منجاب بن الحارث ، قال : أخبرنا علي بن مسهر ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن عوف ، قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فانطلق بي إلى النخل الذي فيه ابنه إبراهيم ، فوجده يجود بنفسه ، فأخذه فوضعه في حجره ، ثم قال : [ ص: 443 ] يا إبراهيم ما نملك لك من الله شيئا ، وذرفت عيناه ، قلت : تبكي يا رسول الله ، أولم تنه ، عن البكاء ؟ قال : ما نهيت عنه ، ولكني نهيت ، عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لهو ولعب ، ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة خمش وجوه ، وشق جيوب ، ورنة الشيطان ، وهذه رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ، ووعد صدق ، وأنها سبيل مأتية ، وأن آخرنا سيلحق بأولنا ، لحزنا عليك حزنا أشد من هذا ، وإنا بك لمحزونون ، تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب .

قال أبو عمر :

قد أتينا ، والحمد لله على ما شرطناه ، وأكملنا بعون الله وفضله ما رسمناه ، وبحوله وطوله وصلنا إلى ذلك وأدركناه ، وله الحمد كثيرا دائما طيبا مباركا عدد كلماته ، وملء أرضه ، وسماواته ، ( وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ) .



[ ص: 444 ] رواية يحيى بن يحيى من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مسنده ومرسله ، ومنقطعه ثمانمائة وثلاثة وخمسون حديثا ، منهالإبراهيم بن عقبة حديث واحد ، ولإبراهيم بن أبي عبلة حديث واحد ، ولإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص حديث واحد ، ولإسماعيل بن أبي حكيم أربعة أحاديث ، ولإسحاق بن أبي طلحة خمسة عشر حديثا ، ولأيوب السختياني أربعة أحاديث : اثنان منها لغير يحيى ، ولأيوب بن حبيب حديث واحد ، ولثور بن زيد أربعة أحاديث ، ولجعفر بن محمد تسعة أحاديث ، ولحميد الطويل سبعة أحاديث ، ولحميد بن قيس الأعرج خمسة أحاديث ، ولخبيب بن عبد الرحمن حديثان ، ولداود بن الحصين أربعة أحاديث ، ولربيعة بن أبي عبد الرحمن اثنا عشر حديثا ، ولزيد بن أسلم أحد وخمسون حديثا ، ولزيد بن أبي أنيسة [ ص: 445 ] حديث واحد ، ولزيد بن رباح حديث واحد ، ولزياد بن أبي زياد حديث واحد ، ولزياد بن سعد ثلاثة أحاديث ، ولطلحة بن عبد الملك حديث واحد من غير رواية يحيى ، ولابن شهاب مائة حديث واثنان وثلاثون حديثا ، ولأبي الزبير ثمانية أحاديث ، ولابن المنكدر خمسة أحاديث ، ولمحمد بن يحيى بن حبان أربعة أحاديث ، ولمحمد بن عمرو بن علقمة حديث واحد ، ولمحمد بن عمرو بن طلحة حديثان ، ولمحمد بن أبي بكر الثقفي حديث واحد ، ولمحمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم حديث واحد ، ولمحمد بن عبد الرحمن بن الأسود أربعة أحاديث ، ولمحمد بن عمارة حديث واحد ، ولمحمد بن أبي صعصعة حديثان ، ولأبي الرجال أربعة أحاديث ، ولموسى بن عقبة حديثان ، ولموسى بن ميسرة حديثان ، ولموسى بن أبي تمام حديث واحد ، ولمسلم بن أبي مريم ثلاثة أحاديث ، ولمخرمة بن سليمان حديث واحد ، وللمسور بن رفاعة حديث واحد ، ولنافع مولى بن عمر ثمانون حديثا ، ولأبي سهيل نافع بن مالك حديثان ، ولنعيم المجمر خمسة أحاديث ، ولصفوان بن سليم سبعة أحاديث ، ولصالح بن كيسان حديثان ، ولصدقة بن يسار حديث واحد ، ولصيفي مولى ابن أفلح حديث واحد ، ولضمرة بن سعيد حديثان ، ولعبد الله بن دينار ستة وعشرون حديثا ، ولعبد الله بن أبي [ ص: 446 ] بكر بن محمد بن عمرو بن حزم سبعة وعشرون حديثا ، ولأبي طوالة ثلاثة أحاديث ، ولأبي الزناد أربعة وخمسون حديثا ، ولعبد الله بن الفضل حديث واحد ، ولعبد الله بن يزيد خمسة أحاديث ، ولعبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك حديثان ، ولعبد الله بن أبي حسين حديث واحد ، ولعبيد الله بن أبي عبد الله الأغر حديث واحد ، ولعبيد الله بن عبد الرحمن حديث واحد ، ولعبد الرحمن بن أبي صعصعة خمسة أحاديث ، ولعبد الرحمن بن القاسم عشرة أحاديث ، ولعبد الرحمن بن حرملة خمسة أحاديث ، ولعبد الرحمن بن أبي عمرة حديث واحد ، ولعبد ربه بن سعيد ثلاثة أحاديث ، ولعبد الحميد ، أو عبد المجيد بن سهيل الزهري حديث واحد ، ولعبد الكريم الجزري حديث واحد ، ولعبد الكريم بن أبي المخارق ثلاثة أحاديث في حديث واحد ، ولعثمان بن حفص بن خلدة حديث واحد ، ولعامر بن عبد الله بن الزبير حديثان ، ولعلقمة بن أبي علقمة حديثان ، ولعمرو بن يحيى المازني أربعة أحاديث ، ولعمرو بن الحارث حديث واحد ، ولعمرو بن أبي عمرو حديث واحد ، وللعلاء بن عبد الرحمن عشرة أحاديث ، ولعطاء الخرساني ثلاثة أحاديث ، ولقطن بن وهب حديث واحد ، ولسعد بن إسحاق حديث واحد ، ولسعيد بن أبي سعيد ستة أحاديث ، ولأبي حازم تسعة أحاديث ، ولسلمة بن صفوان حديث واحد ، ولسعيد بن عمرو بن شرحبيل الأنصاري حديث واحد ، ولسالم أبي النضر خمسة [ ص: 447 ] عشر حديثا ، ولسهيل بن أبي صالح عشرة أحاديث ، ولسمي مولى أبي بكر ثلاثة عشر حديثا ، ولشريك بن أبي نمر حديثان ، ولهلال بن أسامة حديث واحد ، ولهشام بن هاشم حديث واحد ، ولهشام بن عروة ستة وخمسون حديثا ، ولأبي نعيم وهب بن كيسان حديثان ، وللوليد بن عباد حديث واحد ، وليزيد بن قسيط حديث واحد ، وليزيد بن خصيفة ثلاثة أحاديث ، وليزيد بن رومان حديث واحد ، وليزيد بن الهادي ثلاثة أحاديث ، وليزيد بن زياد حديثان ، وليحيى بن سعيد الأنصاري خمسة وسبعون حديثا ، ولابن حماس حديثان ، وليعقوب بن زيد حديث واحد ، ولأبي بكر بن عمر العمري حديث واحد ، ولأبي بكر بن نافع حديثان ، ولأبي ليلى الأنصاري حديث واحد ، ولأبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك حديثان .

ومن بلاغات مالك ، عن الثقات وما أرسله عن نفسه أنه بلغه أحد وستون حديثا .

فهذا جميع ما في الموطأ من رواية يحيى بن يحيى الأندلسي من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أضيف إليه أنه قاله - صلى الله عليه وسلم - أو كان موقوفا فيه مرفوعا في غيره ، ومثله لا يدرك بالرأي ، فذكر لصحته عنه - صلى الله عليه وسلم - حاشا حديثين لأيوب السختياني ، وحديث لطلحة بن عبد الملك فإن [ ص: 448 ] هذه الثلاثة الأحاديث خاصة رواية يحيى ( والحمد لله رب العالمين ) ، وصلى الله على محمد خاتم النبيئين ، وعلى آله الطيبين ، وعلى أزواجه أمهات المومنين ، وعلى أصحابه أجمعين ، وسلم تسليما دائما أبد الآبدين آمين يا رب العالمين .

أنشد أبو عمر - رحمه الله - يصف هذا الديوان :


سمير فؤادي مذ ثلاثين حجة وصيقل ذهني والمفرج عن همي بسطت لكم فيه كلام نبيكم
بما في معانيه من الفقه والعلم وفيه من الآداب ما يهتدى به
إلى البر والتقوى وينهى عن الظلم



انتهى جميع كتاب التمهيد بحمد الله ، وحسن عونه ، وجميل صنعه ، وصلى الله على محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وسلم تسليما ، وكان الفراغ منه في عقب شهر شعبان المكرم من سنة سبعين وخمسمائة .




الخدمات العلمية