الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويخطب خطبتين بينهما جلسة خفيفة .

التالي السابق


(ويخطب خطبتين) قائما فيهما مع القدرة ، فإن عجز عن القيام ، فالأولى أن يستنيب ، ولو خطب قاعدا ، أو مضطجعا للعجز جاز كالصلاة ، ويجوز الاقتداء به ، سواء قال : لا أستطيع ، أو سكت ؛ لأن الظاهر أنه إنما قعد لعجزه . قال الرافعي : ولنا وجه أنه تصح الخطبة قاعدا مع القدرة

[ ص: 230 ] على القيام ، وهو شاذ . أهـ .

وقال أصحابنا : يشترط قيامه بعد الأذان في الخطبتين ، ولو قعد فيهما أو في إحداهما أجزأ ، وكره من غير عذر ، وفي الولوالجية : إن خطب مضطجعا أجزأه . قال الرافعي : وهل يشترط أن تكون الخطبة كلها بالعربية ، وجهان ، والصحيح اشتراطه ، فإن لم يكن فيهم من يحسن العربية خطب بغيرها ، وقال أصحابنا : إذا خطب بالفارسية ، وهو يحسن العربية لا يجزئه . رواه بشر ، عن أبي يوسف ، وروي عن أبي حنيفة جوازه . (بينهما جلسة خفيفة) هي جلسة الراحة . قال الرافعي : ويستحب أن تكون قدر سورة الإخلاص ، نص عليه ، وفيه وجه أنه يجب هذا القدر ، وحكى عن نصه . أهـ .

وهل يسكت في تلك الجلسة ، أو يدعو ؟ الأفضل في حق الإمام الدعاء ، فإنه محل الاستجابة ، وعلى المستمعين الإنصات ، وإحضار القلب ، والطلب من الله سرا من غير رفع الأيدي . هذا عند أصحابنا ، وتقدم أن هذه الجلسة واجبة عند الشافعي ، وأحمد ، سنة مستحبة عند مالك ، وأبي حنيفة ، والدليل على عدم وجوبها ما روي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب خطبة واحدة قائما ، فلما ثقل ، وسمن خطبها خطبتين ، فجلس بينهما جلسة ليستريح فيها ، وعن طاوس قال : لم يكن أبو بكر ، ولا عمر يقعدان على المنبر يوم الجمعة ، وأول من قعد معاوية ، وعن أبي إسحاق ، عن الحرث قال : رأيت عليا يخطب على المنبر ، فلم يجلس حتى فرغ ، وخطب المغيرة بن شعبة ولم يجلس ، ودليل وجوبها ما في الصحيحين ، عن ابن عمر قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة مرتين بينهما جلسة ، وفي صحيح مسلم ، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب ، ثم يقوم فيخطب ، فمن قال : إنه كان يخطب قاعدا فقد كذب .



(فصل)

قال الشمس محمد بن طولون الحنفي الدمشقي في كتابه التقريب لشرائط الخطابة وصفات الخطيب ما نصه ، وفي كيفية الخطابة ثلاث طرائق ؛ الأولى : طريقة أهل المشرق عامة ، وبعض المصريين ، ونزز من الشاميين ، وهي أن يخطب بالنغم بصوت هاد لطيف مطرب غير مروع ، وهذا يحصل به رقة في القلوب ، وراحة للخطيب ، وممن أتقن هذه الطريقة خطيب الموصل من المتقدمين ، وعثمان بن شمس الحنفي من المتأخرين . الثانية : طريقة جل المصريين ، وبعض الشاميين ، وهي بين النغم ، والتحقيق كأنه يخاطب مخاطبة ، ويعاتب معاتبة ، وممن أتقن هذه الطريقة الخطيب بدر الدين الدمشقي من المتقدمين ، وشيخنا العلامة سراج الدين ابن الصيرفي الشافعي من المتأخرين . الثالثة : طريقة جل الشاميين ، وهي التحقيق يصدع بها صدعا ، وهي المشابهة لخطابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ففي صحيح مسلم ، وسنن ابن ماجه ، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خطب الناس احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ، ومساكم ، وهذه طريقة الشيخ كمال الدين العثماني ، وأولاده ، والمنتسبين إليه من المتقدمين ، والقاضي نور الدين بن منعة الحنفي الخطيب بجامع الأفرم بسفح قاسيون من المتأخرين . أهـ .

والأحسن أن يفصح الخطيب بصوت هاد .




الخدمات العلمية