الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا يستعمل غريب اللغة ولا يمطط ولا يتغنى .

وتكون الخطبة قصيرة بليغة جامعة .

ويستحب أن يقرأ آية في الثانية أيضا .

التالي السابق


(ولا يستعمل) في خطبته (غريب اللغة) ، وهي الحوشية التي لا عهد للحاضرين بسماعها ، ولا معرفة معناها ؛ إذ المقصود من الخطبة الوعظ ، والتذكير ، فإذا لم يفهموا ما يقول فهو كالخاطب بالفارسية ، أو غيرها من الألسن (ولا يمطط) فيها بأن يطول فيها تطويلا فاحشا ، أو لا يمطط في حروفها ، وكلماتها ، فإنه يكره ذلك (ولا يتقن) ؛ بل يخرج الحروف من مخارجها مسترسلة غير متجاوز عن الحدود ، وينبغي أن (تكون الخطبة قصيرة) قصرا عرفيا ، لا القصر الذي يخرج عن حد التوسط (بليغة) بأن تكون غير مؤلفة من الكلمات المبتذلة كخطب أهل الريف ، ومنها خطبة أبي شادوف التي يتمشدق بها بعض المقلدين من المتفقهين ، فإنها مشتملة على مخاز لا ينبغي استعمالها ، ولا استماعها ، ولا من الكلمات البعيدة عن أفهام الحاضرين ، وهي المشتملة على الألفاظ المعقدة (جامعة) لمعاني الوعظ ، والتذكير ، والنصيحة ، مع اختصارها ، كما هي خطب السلف الصالحين (ويستحب أن يقرأ الآية في الثانية أيضا) تبركا بها ؛ لئلا تخلو خطبة من كلام الله تعالى ، ولكن بعد إعادة الحمد ، والثناء ، والصلاة ، كما في الأولى ، ثم يتبع ذلك بالدعاء للمؤمنين ، والمؤمنات بالاستغفار لهم ، كما تقدم ، وينبغي أن تكون الثانية هكذا : الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه . . . إلخ ؛ لأن هذا هو

[ ص: 231 ] الثانية التي كان يخطب بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر الخلفاء الراشدين عموما ، والعمين ، والسبطين ، وأمهما وجدتهما مستحسن ، وإن احتاج إلى ذكر الأربعة الخلفاء على الخصوص بأن كان في بلد فيه الرافضة ، فلا بأس أن يطيل بذكرهم كل واحد باسمه مع الأوصاف اللائقة بهم ، ثم يعطف عليهم بالباقين من العشرة ، ومما يكره للخطيب المجازفة في أوصاف السلاطين بالدعاء لهم ، فأما أصل الدعاء للسلطان ، فقد ذكر صاحب المهذب ، وغيره أنه مكروه ، والاختيار أنه لا بأس به إذا لم يكن فيه مجازفة في وصفه ، ولا نحو ذلك ، فإنه يستحب الدعاء بصلاح ولاة الأمر ، والآن صار واجبا ؛ لأنه مأمور به من السلطان .



(فصل)

وقدر أصحابنا تخفيف الخطبتين بقدر سورة من طوال المفصل ، وكرهوا التطويل مطلقا ، ومنهم من كرهه في أيام الشتاء لقصرها ، وقد روي عن ابن مسعود طول الصلاة ، وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل ؛ أي : هذا مما يستدل به على فقهه ، وهذا عام ، سواء كان في الشتاء ، أو الصيف ، والكلام الوجيز في مثل هذه الحالة يعد طويلا ؛ لأن المكان أعد للخطبة ، والخطيب هيأ نفسه ، فإذا جاء بذكر وإن قل يكون خطبة ، ولا يبعد أن يختلف الكلام باختلاف المحل ، وكرهوا الإطناب في مدح الجائرين من الملوك بأن يصفه عادلا ، وهو ظالم ، أو يصفه بالغازي ، وهو لم يوجف على العدو بخيل ولا ركاب ، ولكن مطلق الدعاء لهم بالصلاح لا بأس به ، وكذا لا بأس بأن يصفه ببعض الألقاب اللائقة بحاله ، فإن تعظيم الملوك شعار أهل الإسلام ، وفيه إرهاب على الأعداء ، وقد اتفق أن الملك الظاهر بيبرس - رحمه الله تعالى - لما وصل الشام ، وحضر لصلاة الجمعة أبدع الخطيب بألفاظ حسنة يشير بها إلى مدح السلطان ، وأطنب فيه ، فلما فرغ من صلاته أنكر عليه ، وقال - مع كونه تركيا - : ما لهذا الخطيب يقول في خطبته السلطان السلطان ؟ ليس شرط الخطبة هكذا ، وأمر به أن يضرب بالمقارع ، فتشفع له الحاضرون ، هذا مع كمال علم الخطيب ، وصلاحه ، وورعه ، فما خلص إلا بعد الجهد الشديد ، واتفق مثل هذا لبعض أمراء مصر في زماننا لما صلى الجمعة في إحدى جوامع مصر ، وكان مغرورا بدولته مستبدا برأيه ، وربما نازعته نفسه في خلافه على مولانا السلطان نصره الله تعالى ، فأطنب الخطيب في مدحه بعد أن ذكر اسمه بعد اسم السلطان ، فلما فرغ من صلاته أمر بضرب ذلك الخطيب ، وإهانته ، ونفيه عن مصر إلى بعض القرى ، فهذا - وأمثال ذلك - ينفي للخطباء أن يلتمسوا سخط الله تعالى برضا الناس ، فإن ذلك موجب لسخط الله تعالى ، والمقت الأبدي . نسأل الله العفو منه ، آمين .

قال الرافعي : وينبغي للقوم أن يقبلوا بوجوههم إلى الإمام ، وينصتوا ، ويستمعوا ، والإنصات هو السكوت ، والاستماع هو شغل السمع بالسماع ، وهل الإنصات فرض ، والكلام حرام ، قولان : القديم ، والإملاء وجوب الإنصات ، وتحريم الكلام ، والجديد أنه سنة ، والكلام ليس بحرام ، وقيل : يجب الإنصات قطعا ، والجمهور أثبتوا القولين .




الخدمات العلمية