الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: ألم تر أن الله أنـزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ؛ وقرئت: "مخضرة"؛ [ ص: 436 ] ذكر الله - جل ثناؤه - - ما يدل على توحيده من إيلاج الليل في النهار؛ والنهار في الليل؛ وذكر إنزاله الماء ينبت؛ وذكر تسخير الفلك في البحر؛ وإمساك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه؛ فدل أنه الواحد الذي خلق الخلق؛ وأتى بما لا يمكن البشر أن يأتوا بمثله.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر جهل المشركين في عبادتهم الأصنام؛ فقال - عز وجل -: ويعبدون من دون الله ما لم ينـزل به سلطانا ؛ أي: ما لم ينزل به حجة؛ وما ليس لهم به علم؛ ثم ضرب لهم مثل ما يعبدون؛ وأنه لا ينفع ولا يضر؛ وأما القراءة: فتصبح الأرض مخضرة ؛ لا غير.

                                                                                                                                                                                                                                        قال سيبويه : سألت الخليل عن قوله (تعالى): ألم تر أن الله أنـزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ؛ فقال: هذا واجب؛ ومعناه التنبيه؛ كأنه قال: "أتسمع؟ أنزل الله من السماء ماء؛ فكان كذا وكذا"؛ وقال غيره مثل قوله؛ قال: مجاز هذا الكلام مجاز الخبر؛ كأنه قال: "الله ينزل من السماء ماء؛ فتصبح الأرض مخضرة"؛ وأنشدوا:


                                                                                                                                                                                                                                        ألم تسأل الربع القواء فينطق وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق؟



                                                                                                                                                                                                                                        قال الخليل : المعنى: "فهو مما ينطق"؛ وأما من قرأ: "مخضرة"؛ فهو على معنى: "ذات مخضرة"؛ مثل: "مبقلة"؛ ذات بقل؛ و"مشبعة"؛ ذات شبع؛ ولا يجوز "مخضرة"؛ بفتح الميم؛ وتشديد الراء؛ لأن "مفعلة"؛ ليس في الكلام؛ ولا معنى له.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية