الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
13 - باب وقف حمزة وهشام على الهمز


1 - وحمزة عند الوقف سهل همزه إذا كان وسطا أو تطرف منزلا



أخبر أن حمزة سهل الهمز عند الوقف سواء كان الهمز وسط الكلمة أم آخرها، والمراد بالتسهيل: مطلق التغيير، فشمل أنواعه الأربعة: بين بين، النقل، والإبدال، والحذف. وعبر الناظم بالتسهيل وأراد مطلق التغيير لإفادة أن الغرض من التغيير تسهيل النطق باللفظ الذي فيه الهمز، وأضاف الهمز لحمزة لأنه هو الذي يغيره عند الوقف، وإن كان هشام يوافقه في تغيير بعض الأنواع، ومعلوم أن الإضافة تكون لأدنى ملابسة، ويعلم من قوله (إذا كان وسطا أو تطرف) أن حمزة لا تغيير له في الهمز المبتدإ به.


2 - فأبدله عنه حرف مد مسكنا     ومن قبله تحريكه قد تنزلا



الهمز: إما ساكن وإما متحرك، والساكن: إما في وسط الكلمة ولا يكون سكونه إلا لازما، وإما في آخرها. والذي في آخر الكلمة سكونه: إما لازم، وإما عارض، وقد بين الناظم في هذا البيت حكم الساكن سواء كان في وسط الكلمة أم في آخرها، وسواء كان سكونه لازما أم عارضا، فأمر بإبداله عن حمزة حرف مد من جنس حركة ما قبله [ ص: 111 ] فيبدل ألفا بعد الفتح، وواوا بعد الضم، وياء بعد الكسر. فالضمير في (فأبدله) يعود على الهمز، وفي (عنه) يعود على حمزة. وقوله: (مسكنا) بكسر الكاف حال من ضمير الفاعل المستتر في قوله (فأبدله).

والمعنى: فأبدل أيها القارئ الهمز عن حمزة حرف مد حال كونك مسكنا الهمز سواء كان سكونه أصليا، أم كان متحركا في الأصل فسكنته أنت للوقف، فحينئذ يكون قوله (مسكنا) شاملا لما سكونه أصلي، وهو يكون في وسط الكلمة، وفي آخرها، وما سكونه عارض ولا يكون إلا آخر الكلمة. وقوله (ومن قبله تحريكه قد تنزلا)، (تحريكه) مبتدأ، والضمير فيه يعود على الحرف المدلول عليه بقوله: (ومن قبله) وجملة (قد تنزلا) خبر المبتدإ، (ومن قبله) متعلق (بتنزلا) والهاء فيه يعود على الهمز، والجملة من المبتدإ والخبر حال من الهاء في قوله (فأبدله)، وتقدير البيت: فأبدل الهمز عن حمزة حرف مد حال كونك مسكنا له، وحال كون الهمز متحركا ما قبله، ويؤخذ من هذا: أن حمزة لا يبدل الهمز حرف مد إلا بشرطين:

الأول: أن يكون الهمز ساكنا. الثاني: أن يكون ما قبله متحركا، واشتراط تحرك ما قبل الهمز يحتاج إليه في الهمز الساكن الذي سكونه عارض للوقف نحو قال الملأ عند الوقف عليه، والمقصود من هذا الاشتراط الاحتراز عن الهمز الساكن الذي عرض سكونه للوقف، ويكون ما قبله ساكنا نحو (يشاء)، (شيء)، (السوء)، (قروء). فإن لهذا النوع من الهمز حكما سيذكره الناظم في الأبيات الآتية، أما الهمز الساكن الذي سكونه أصلي: فلا يكون ما قبله إلا متحركا.

والخلاصة: أن الناظم ذكر في هذا البيت حكم الهمز الساكن المتحرك ما قبله، سواء كان في وسط الكلمة، أم في آخرها، وسواء كان سكونه أصليا، أم عارضا، فمثال ما سكونه أصلي وهو في وسط الكلمة: (يأكلون)، (بوأنا)، (تأثيما)، (تأخذونه)، (مأمنه)، (الذئب)، (وبئر)، (فبئس)، (شئتما)، (وجئنا)، (يؤفك)، (لا يؤخذ)، (أنؤمن)، (المؤمنون). ومثال ما سكونه أصلي وهو في آخر الكلمة: اقرأ ، أم لم ينبأ ، إن يشأ ، نبئ ، وهيئ ، ويهيئ ، ومكر السيئ في قراءة حمزة، وليس في القرآن همزة متطرفة ساكنة وسكونها أصلي وقبلها ضمة.

ومثال ما سكونه عارض وهو لا يكون إلا في آخر الكلمة: (بدأ)، (أنشأ)، (أسوأ)، (عن النبإ)، [ ص: 112 ] (من حمإ)، (من ملجإ)، (يبدئ)، (ينشئ)، (لكل امرئ)، (من شاطئ)، (البارئ)، (إن امرؤ)، (كأمثال اللؤلؤ)، (كأنهم لؤلؤ). فهذه الأمثلة وأشباهها يبدل حمزة همزتها حرف مد من جنس حركة ما قبلها، فإن كان ما قبلها مفتوحا فإنها تبدل ألفا، وإن كان ما قبلها مكسورا فإنها تبدل ياء، وإن كان ما قبلها مضموما فإنها تبدل واوا.


3 - وحرك به ما قبله متسكنا     وأسقطه حتى يرجع اللفظ أسهلا



لما بين في البيت السابق حكم الهمز الساكن بين في هذا البيت حكم الهمز المتحرك الذي قبله ساكن، والساكن الذي يكون قبل الهمز المتحرك خمسة أنواع:

النوع الأول: الساكن الصحيح.

والهمز الذي بعده يكون متوسطا ومتطرفا فالمتوسط نحو (شطأه)، (القرآن)، (الظمآن)، (جزءا)، (النشأة)، (يسأمون)، (يجأرون)، (الأفئدة)، (مسؤلا)، (مذءوما).

والمتطرف نحو (الخبء)، (المرء)، سواء كان مرفوعا أم مجرورا، (ملء، دفء).

النوع الثاني: حرفا اللين، وأعني بهما الواو الأصلية الساكنة المفتوح ما قبلها، والياء الأصلية الساكنة المفتوح ما قبلها.

والهمز الذي بعد هذين الحرفين يكون متوسطا ومتطرفا، فالمتوسط نحو (سوأة)، (موئلا)، (سوآتكم)، (شيئا)، (كهيئة)، (استيأس). والمتطرف نحو ظن السوء ، (شيء).

النوع الثالث: حرفا المد واللين أعني الواو الأصلية الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الأصلية الساكنة المكسور ما قبلها.

والهمز بعد هذين الحرفين يكون متوسطا ومتطرفا، فالمتوسط نحو (السوآى)، (سيئت)، والمتطرف نحو (المسيء)، (أن تبوء)، (السوء)، (لتنوأ)، (سيء)، (وجيء).

وقد بين الناظم حكم هذه الأنواع الثلاثة بقوله: (وحرك به ما قبله متسكنا) البيت، يعني وحرك بحركة الهمز، فالضمير يعود على الهمز وفي الكلام مضاف مقدر أي بحركة الهمز، ولا بد من تقدير هذا المضاف إذ المعنى لا يستقيم بدونه، لأن الحرف الساكن لا يحرك بنفس الهمز، وإنما يحرك بحركته.

والمعنى: إذا كان الهمز متحركا وقبله حرف ساكن، فألق حركة الهمز على الحرف الساكن قبله، وأسقط الهمز حتى يرجع اللفظ أسهل.

وحاصل المعنى بإيضاح: [ ص: 113 ] وحرك بحركة الهمز الحرف الذي قبله حال كون هذا الحرف ساكنا أي انقل حركة الهمز إلى الحرف الساكن قبله واحذف الهمز ليكون اللفظ أيسر في النطق على القارئ مما كان عليه قبل النقل، وحينئذ يتحرك الحرف الساكن بحركة الهمز، فيكون مفتوحا إذا كان الهمز مفتوحا، ويكون مكسورا إذا كان الهمز مكسورا، ويكون مضموما إذا كان الهمز مضموما، وقد تقدمت الأمثلة.

ومما يجب أن تتنبه له: أنك إذا نقلت حركة الهمز المتطرف إلى الحرف الساكن قبله وحذفت الهمز في نحو: (المرء، ملء، دفء). صار الحرف الذي نقلت إليه حركة الهمز متطرفا فتسكنه للوقف، وحينئذ يكون السكون الموجود عند الوقف عارضا غير السكون الموجود في الوصل، والفرق بينهما: أن الذي كان في الوصل هو الذي بنيت عليه الكلمة، فيكون أصليا، والذي في الوقف: هو الذي عدل عن الحركة إليه، فيكون عارضا، جيء به لأجل الوقف، إذ لا يجوز الوقف بالحركة. ولهذا يجوز الروم والإشمام في المرفوع، ويجوز الروم في المجرور باعتبار أن الحرف الذي قبل الهمز أصبح متحركا، وإنما سكن لأجل الوقف.

وأما النوعان الرابع والخامس: فسيذكر الناظم حكمهما في الأبيات الآتية. وقد يقال:

إن كلمة (ما) في قول الناظم (وحرك به ما قبله متسكنا) من صيغ العموم فتتناول الأنواع الخمسة للهمز المتحرك الذي قبله ساكن، فما الذي يدلنا على أن الناظم أراد بقوله: (ما قبله متسكنا) هذه الأنواع الثلاثة فحسب؟

ونقول: إن الذي دلنا على ذلك استثناؤه النوعين: الرابع والخامس في قوله: (سوى أنه من بعد ما ألف جرى) الأبيات الثلاثة، والله تعالى أعلم.


4 - سوى أنه من بعد ما ألف جرى     يسهله مهما توسط مدخلا
5 - ويبدله مهما تطرف مثله     ويقصر أو يمضي على المد أطولا



هذا هو النوع الرابع من أنواع الهمز المتحرك الواقع بعد ساكن، ولما كان حكمه مخالفا حكم الأنواع الثلاثة السالفة، مع وقوع الهمز فيه محركا بعد ساكن كوقوعه فيها استثنى الناظم هذا النوع وبين حكمه فقال: (سوى أنه) إلخ، فكأنه قال: انقل حركة [ ص: 114 ] الهمز إلى الساكن قبله، واحذف الهمز إلا إذا كان هذا الساكن ألفا، فإن حمزة يسهل هذا الهمز إذا كان في وسط الكلمة، ويبدله إذا كان في طرف الكلمة. فيكون هذا النوع قسمين: فذكر حكم القسم الأول: بقوله: (سوى أنه) إلخ، والضمير في (أنه) يعود على حمزة، والضمير البارز في (يسهله) يعود على الهمز.

يعني: إن حمزة يسهل الهمز الواقع بعد ألف إذا كان في وسط الكلمة بين بين سواء كان مفتوحا نحو دعاء ونداء ، تراءت ، غثاء ، أبناءنا وأبناءكم ، ونساءنا ونساءكم ، جاءوكم أم مكسورا نحو خائفين ، والقلائد ، ومن آبائهم ، (الملائكة)، (بأسمائهم)، (إسرائيل). أم مضموما نحو، آباؤكم وأبناؤكم نساءكم هاؤم ، جاءوكم ، يراءون . ولا يخفى أن الهمز في نحو: دعاء ونداء غثاء متوسط نظرا للزوم الألف التي هي عوض عن التنوين اللازم للكلمة. ولحمزة في الألف الواقعة قبل الهمزة المتوسطة في هذه الأمثلة ونحوها وجهان: المد المشبع بمقدار ست حركات. والقصر بمقدار حركتين عملا بالقاعدة التي ذكرها في قوله:

وإن حرف مد قبل همز مغير     يجز قصره والمد ما زال أعدلا



لأنه يصدق على هذه الألف أنها حرف مد وقع قبل همز مغير بالتسهيل. ثم ذكر حكم القسم الثاني بقوله: (ويبدله مهما تطرف مثله) والضمير المستتر في (ويبدله) يعود على حمزة.

والضمير البارز فيه يعود على الهمز، والضمير في (مثله) يعود على الألف المذكورة في البيت السابق في قوله: (من بعد ما ألف جرى) يعني أن حمزة يبدل الهمز المتطرف الواقع بعد ألف يبدله ألفا من جنس ما قبله بعد إسكانه للوقف، وحينئذ يجتمع ألفان، فيجوز حذف إحداهما تخلصا من اجتماع ساكنين في كلمة واحدة، ويجوز إبقاؤهما لجواز اجتماع الساكنين عند الوقف، فعلى حذف إحداهما يحتمل أن يكون المحذوف الأولى، وأن يكون الثانية، فعلى تقدير أن المحذوف هي الأولى يتعين القصر لأن الألف الثانية حينئذ تكون مبدلة من همزة، فلا يجوز فيها إلا القصر مثل (بدأ)، (أنشأ) عند الوقف عليهما. وعلى تقدير أن المحذوف هي الثانية يجوز المد والقصر لأنه حرف مد وقع قبل همز مغير بالإبدال، ثم بالحذف، وعلى تقدير إبقائهما يتعين المد المشبع بقدر ثلاث ألفات، ووجه ذلك: أن في الكلمة ألفين، الألف الأولى، والألف الثانية المبدلة من الهمزة، فتزاد ألف ثالثة للفصل بين الألفين، فيمد ست حركات، لأن مقدار الألف [ ص: 115 ] حركتان، وعلى هذا يكون في الوقف عليه وجهان: القصر، والمد، فالقصر على تقدير حذف الأولى أو الثانية، والمد على تقدير إبقاء الألفين أو حذف الثانية، وصرح العلماء بجواز التوسط فيه قياسا على سكون الوقف، فيكون فيه حينئذ ثلاثة أوجه عند الإبدال: القصر، والتوسط، والمد.

وفيه وجهان آخران ستعرفهما فيما بعد، والأمثلة (جاء)، (السفهاء)، (السماء)، (شركاء)، (يشاء)، (الماء)، (الأعداء).


6 - ويدغم فيه الواو والياء مبدلا     إذا زيدتا من قبل حتى يفصلا



(هذا هو النوع الخامس) من أنواع الهمز المتحرك الواقع بعد ساكن، يعني أن حمزة يدغم الواو والياء الزائدتين في الهمز الذي بعدهما حال كونه مبدلا الهمز حرفا من جنس ما قبله حتى يمكن الإدغام، فيبدل الهمز الذي بعد الواو الزائدة واوا، ويدغم الواو الزائدة فيها، ويبدل الهمز الذي بعد الياء الزائدة ياء، ويدغم الياء الزائدة فيها، سواء كان الهمز في وسط الكلمة أم في آخرها. مثال الهمز الواقع بعد الواو الزائدة قروء فيقف عليه حمزة بإبدال الهمز واوا، وإدغام الواو التي قبلها فيها. ولم يقع في الكتاب العزيز همزة متوسطة في الكلمة واقعة بعد واو زائدة.

ومثال الهمزة الواقعة بعد ياء زائدة، والهمز في وسط الكلمة: خطيئته ، خطيئاتكم ، هنيئا مريئا ، بريئون . ومثال الهمزة الواقعة بعد ياء زائدة والهمزة في آخر الكلمة النسيء ، بريء ، دري . فحمزة عند الوقف يبدل الهمزة في هذه الأمثلة ونحوها ياء، ويدغم الياء التي قبلها فيها، والواو والياء الزائدتان هما اللتان ليستا حرفا أصليا من حروف الكلمة وبنيتها. فلا تقعان فاء للكلمة ولا عينا ولا لاما لها، بل تقعان بين العين واللام، (فقروء) على وزن فعول، (والنسيء وبريء) على زنة فعيل، (وخطيئته) على وزن فعيلة. (وهنيئا) على وزن فعيلا، وهكذا بخلاف الواو والياء الأصليتين، فإنهما من بنية الكلمة، وسبق بيان حكم الهمز بعدهما. وقوله: (حتى يفصلا) معناه حتى يميز في الحكم بين الهمزة الواقعة بعد الواو والياء الزائدتين، والواقعة بعد الواو والياء الأصليتين.


7 - ويسمع بعد الكسر والضم همزه     لدى فتحه ياء وواوا محولا


[ ص: 116 ] 8 - وفي غير هذا بين بين ومثله     يقول هشام ما تطرف مسهلا



لما ذكر حكم الهمز المتحرك الواقع بعد ساكن في الأبيات السابقة، ذكر هنا حكم الهمز المتحرك الواقع بعد متحرك، والهمز المتحرك الواقع بعد متحرك تسعة أقسام. وبيان ذلك:

أن الهمز يحرك بالحركات الثلاث، وما قبله كذلك فتضرب حركات الهمز في حركات ما قبله فيصير الجميع تسعة. وقد تضمن البيت الأول حكم قسمين من الأقسام التسعة.

القسم الأول: أن يكون الهمز مفتوحا وما قبله مكسورا، نحو خاطئة ، ناشئة ، مائة ، مائتين *، (فيه) ، فئتين ، بأييكم ، ولأنعامكم ، وننشئكم ، (لئلا )، لأهب . وحكم الهمز في هذا القسم أن يبدل ياء خالصة.

القسم الثاني: أن يكون الهمز مفتوحا وما قبله مضموما، نحو يؤيد ، مؤذن ، فؤادك ، يؤلف ، يؤاخذ ، يؤخر ، ولؤلؤا ، مؤجلا . وحكم الهمز في هذا القسم أن يبدل واوا خالصة. فمعنى البيت: ويسمع حمزة الناس همزة المفتوح بعد الكسر ياء، وبعد الضم واوا، وعلى هذا فقوله: (همزه) مفعول ثان، والأول محذوف تقديره الناس، كما قررنا. وقوله: (محولا) نعت للواو وحذف نعت الياء لدلالة نعت الواو عليه أي ياء محولا وواوا محولا من الهمز أي مبدلا منه. والناظم في هذا البيت جمع بين الكسر والضم. ثم جمع بين الياء والواو لترجع الياء للكسر والواو للضم، ففيه لف ونشر مرتب.

ثم ذكر في البيت الثاني حكم الهمز في الأقسام السبعة الباقية، وهو أن الهمز فيها جميعها يسهل بينه وبين الحرف المجانس لحركته.

القسم الأول: المفتوح بعد فتح نحو سأل ، مآب ، تأذن ، شنآن .

القسم الثاني: المكسور بعد فتح نحو بئيس ، (يومئذ)، (حينئذ)، مطمئن .

القسم الثالث: المكسور بعد كسر نحو خاطئين ، بارئكم ، متكئين ، خاسئين .

القسم الرابع: المكسور بعد ضم نحو سألوا ، سئل ، سئلت .

القسم الخامس: المضموم بعد فتح نحو (رؤف)، يكلؤكم ، تؤزهم .

القسم السادس: المضموم بعد كسر نحو أنبئوني ، مستهزئون ، فمالئون ، ليواطئوا ، سنقرئك .

القسم السابع: المضموم بعد ضم نحو برءوسكم .

[ ص: 117 ] وقوله: (ومثله) يقول هشام: (ما تطرف مسهلا)، (ومثله) بالنصب نعت لمصدر محذوف، والضمير فيه يعود على حمزة. (ويقول) بمعنى يقرأ، (وما) مفعول (يقول). و(مسهلا) حال من هشام، والتقدير: ويقرأ هشام الذي تطرف من الهمز قراءة مثل قراءة حمزة فيه حال كون هشام في ذلك راكبا الطريق المعبد السهل، فكل ما ذكره الناظم لحمزة في الهمز المتطرف، فمثله يكون لهشام.


9 - ورئيا على إظهاره وادغامه     وبعض بكسر الها لياء تحولا
10 - كقولك أنبئهم ونبئهم

اشتمل البيت الأول والنصف الأول من البيت الثاني على مسألتين، وهما من فروع قوله السابق (فأبدله عنه حرف مد مسكنا)، البيت.

المسألة الأولى: تتعلق بلفظ رءيا في قوله تعالى في سورة مريم أحسن أثاثا ورئيا فأخبر أن لفظ " رئيا " مقروء لحمزة، ومروي عنه بالإظهار والإدغام، فإذا وقفت على هذا اللفظ وخففت همزه بإبداله ياء لسكونه بعد الكسر عملا بقوله: (فأبدله عنه) البيت، فلك فيه وجهان: إظهار الياء المبدلة من الهمزة، وعدم إدغامها في الياء بعدها نظرا لكون هذه الياء الأولى عارضة، فكأن الهمز باق، والوجه الثاني: إدغام الياء المبدلة في الهمزة في الياء التي بعدها، لأنه اجتمع في الكلمة مثلان: أولهما ساكن فيدغم الساكن في المتحرك على مقتضى القواعد، ولأن هذه الكلمة رسمت في المصاحف بياء واحدة، ومثل الوقف على رءيا في جواز الإظهار والإدغام: الوقف على وتؤوي في الأحزاب، تؤويه في المعارج. فبعد إبدال الهمزة واوا في الكلمتين يجوز إظهار الواو المبدلة من الهمزة ويجوز إدغامها في الواو التي بعدها، وما علل به الإظهار والإدغام في رءيا يعلل به الإظهار والإدغام في الكلمتين المذكورتين، وإذا وقف على رؤياك الرؤيا ، رؤياي أبدل الهمزة واوا، وبعد الإبدال يجوز إظهار هذه الواو نظرا لعروضها، لأنها مبدلة من الهمزة. ويجوز قلب هذه الواو ياء وإدغامها في الياء بعدها، لأن من القواعد المقررة أنه إذا اجتمعت الواو والياء في كلمة وكانت الواو ساكنة سابقة على الياء فإن الواو تقلب ياء وتدغم في الياء التي بعدها، ففي الوقف على [ ص: 118 ] هذه الكلمات وأمثالها وجهان: الإظهار والإدغام.

المسألة الثانية: تتعلق بقوله تعالى في سورة البقرة أنبئهم من أنبئهم بأسمائهم ، ونبئهم في الحجر في قوله تعالى: ونبئهم عن ضيف إبراهيم وفي القمر في قوله تعالى: ونبئهم أن الماء قسمة بينهم فبعض أهل الأداء عن حمزة قرءوا في الكلمتين (أنبئهم)، (ونبئهم) بعد إبدال الهمز ياء بكسر الهاء فيهما نظرا لوقوع الياء قبلها المحولة عن الهمزة أي المبدلة منها فيقرءون: (أنبيهم). (ونبيهم) بكسر الهاء كما يقرءون (فيهم)، (ويزكيهم)، ويفهم من قوله: (وبعض) أن البعض الآخر يبقون الهاء على أصلها من الضم نظرا لعروض هذه الياء، فكأن الهمزة باقية، فيكون في هاتين الكلمتين وقفا لحمزة بعد الإبدال وجهان: كسر الهاء وضمها، وهما صحيحان مقروء بهما له.


10 - وقد رووا أنه بالخط كان مسهلا      11 - ففي اليا يلي والواو والحذف رسمه
والاخفش بعد الكسر ذا الضم أبدلا      12 - بياء وعنه الواو في عكسه ومن
حكى فيهما كاليا وكالواو أعضلا



أخبر أن بعض أهل الأداء من المغاربة كمكي بن أبي طالب، وفارس بن أحمد، والحافظ أبي عمرو الداني، والإمام الشاطبي، وبعض المتأخرين نقلوا عن حمزة أنه كان يسهل الهمز عند الوقف عليه وفق المصاحف العثمانية التي كتبت في عصر الصحابة، أي يخفف الهمز عند الوقف على مقتضى مرسوم هذه المصاحف فقوله: (ففي اليا يلي والواو والحذف رسمه) بيان لكيفية اتباع رسم المصاحف.

والمعنى: أن حمزة كان يتبع رسم المصحف العثماني في الياء والواو والحذف. وذلك أن الهمزة تارة تكتب صورتها ياء في المصاحف، وتارة تكتب صورتها واوا، وتارة تحذف فلا تكتب لها صورة، فما كانت صورته ياء وقف عليه بالياء، وما كانت صورته واوا وقف عليه بالواو، وما لم تكن له صورة حذف، أي وقف عليه بالحذف، وإنما ذكر هذه الأقسام الثلاثة، ولم يذكر الألف مع أن الهمزة كثيرا ما تصور بها لأن تخفيف الهمزة التي تصور ألفا لا يخرج عن الرسم العثماني، إذ إنها [ ص: 119 ] إما أن تبدل ألفا نحو (اقرأ) ، (إن يشأ).

وإما أن تسهل بين بين نحو (سأل)، (تأذن). وعلى كلتا الحالين يكون تخفيفها موافقا للرسم العثماني. وليس معنى هذا المذهب أن كل كلمة صورت همزتها بالواو يصح الوقف عليها بالواو الخالصة، ولا أن كل كلمة جعلت صورتها ياء يوقف عليها بالياء المحضة، ولا أن كل كلمة حذفت صورة همزتها يصح الوقف عليها بحذف الهمزة، فإن جواز الوقف على كلمة بالواو، وعلى أخرى بالياء، وعلى ثالثة بالحذف موقوف على السماع وصحة النقل وثبوت الرواية، فإن القراءة سنة متبعة يتلقاها الآخر عن الأول، فلا يصح الوقف على مثل نساؤكم ، وأبناؤكم ، أولياؤهم *. بالواو الخالصة، وإن كانت صورة الهمزة واوا فيما ذكر لعدم صحة نقله، وعدم ثبوت روايته، فلا تصح به القراءة، ولا تحل به التلاوة، ولا يسوغ الوقف على مثل (خائفين)، (الملائكة)، (من نسائهم) بالياء المحضة. وإن صورت الهمزة فيه ياء. لأنه لم ينقل عن أحد من أهل الأداء الوقف على هذه الكلمات بالياء، ولا يسوغ الوقف على مثل يراءون الناس ، إذ جاءوكم . بحذف الهمزة اعتمادا على حذف صورتها في المصحف، فإن ذلك لم يصح سندا عن الأئمة. وقد حصر علماء القراءات الكلمات التي رسمت همزتها في المصاحف بالواو، وثبتت الرواية الصحيحة بجواز الوقف عليها بالواو، وحصروا الكلمات التي رسمت همزتها ياء وصح النقل بجواز الوقف عليها بالياء، وضبطوا الكلمات التي حذفت صورة همزتها وثبت النقل بصحة الوقف عليها بحذف الهمزة، فلا يسوغ للقارئ أن يعدو الكلمات التي نصوا عليها وجمعوها إلى غيرها من الكلمات التي لم يصح سندها، ولم تثبت روايتها. وسأجمع لك هذه الكلمات إن شاء الله تعالى، على أن جمهور أهل الأداء من العراقيين والمشارقة وكثير من المغاربة لم ينقلوا التخفيف الرسمي عن حمزة، ولم يعرجوا عليه ولم يشيروا إليه، وإنما جنحوا إلى التخفيف القياسي. وهاك الكلمات التي جعلت صورة همزتها واوا ووقعت الهمزة فيها بعد الألف: فيكم شركاء بالأنعام، أم لهم شركاء بالشورى، في أموالنا ما نشاء في هود، فقال الضعفاء في إبراهيم، شفعاء وكانوا في الروم، لهو البلاء المبين في الصافات، وما دعاء الكافرين في غافر، بلاء مبين بالدخان، إنا برآء في الممتحنة، جزاء الظالمين ، إنما جزاء " الأولان " بالمائدة، وجزاء سيئة بالشورى [ ص: 120 ] جزاء الظالمين بالحشر، فالهمزة في هذه المواضع رسمت بالواو اتفاقا وزادوا بعدها ألفا، ولم يرسموا الألف قبلها تخفيفا.

واختلف في: جزاء من تزكى بطه، جزاء المحسنين بالزمر، وكذا جزاء الحسنى بالنسبة لهشام، و علماء بني إسرائيل بالشعراء، إنما يخشى الله من عباده العلماء بفاطر، " أنباء ما كانوا به " في الأنعام والشعراء.

وأما الكلمات التي رسمت همزتها بالواو ولم تقع بعد ألف فهي: (يبدؤ) حيث وقعت هذه الكلمة، تفتأ تذكر يوسف ، يتفيأ ظلاله في النحل، أتوكأ عليها ، لا تظمأ ، كلاهما بطه. ويدرأ عنها العذاب بالنور، قل ما يعبأ بكم بالفرقان، فقال الملأ في الموضع الأول بالمؤمنين، يا أيها الملأ إني يا أيها الملأ أفتوني ، يا أيها الملأ أيكم . والثلاثة في النمل، أومن ينشأ في الحلية في الزخرف، " نبأ " في إبراهيم والتغابن وص، وفيها موضعان نبأ الخصم ، نبأ عظيم . غير أن نبأ الخصم كتب في بعض المصاحف بغير واو، وكتب في معظمها بالواو. واختلفت المصاحف في ينبأ الإنسان في القيامة، فرسمت الهمزة في بعضها بالواو وفي بعضها بدونها.

وأما الكلمات التي رسمت همزتها بالياء وقبلها ألف فهي: من تلقاء نفسي بيونس ، وإيتاء ذي القربى بالنحل، ومن آناء الليل بطه، من وراء حجاب بالشورى. واختلفت المصاحف في: بلقاء ربهم و " لقاء الآخرة " كلاهما بالروم، فرسمت الهمزة في موضعين بالياء في بعض المصاحف. وبدونها في البعض الآخر. وكذلك صورت الهمزة ياء في: ولقد جاءك من نبإ المرسلين ، بالأنعام في جميع المصاحف.

ثم ذكر الناظم أن الأخفش كان يبدل ذا الضم أي الهمز المضموم إذا وقع بعد الكسر ياء خالصة نحو: سنقرئك ، الخاطئون ، فمالئون *. وقوله: (وعنه الواو في عكسه) أي عن الأخفش الإبدال واوا في عكس ذلك، وهو أن تكون الهمزة مكسورة بعد ضم فيبدلها واوا خالصة نحو (سألوا)، وحينئذ يكون الأخفش قد خالف في قسمين من أقسام الهمز المتحرك بعد متحرك، لأن تخفيف مثل سنقرئك يكون بتسهيل الهمزة بينها وبين الواو. وتخفيف مثل (سألوا) يكون بتسهيل الهمزة بينها وبين الياء، وعلى هذا تصير مواضع الإبدال عند الأخفش أربعة: هذان القسمان، والقسمان المذكوران في قوله:

(ويسمع بعد الكسر والضم همزه) إلخ، ثم قال: (ومن حكى في المضمومة بعد الكسر) نحو: سنقرئك أنها تسهل كالياء، أي [ ص: 121 ] تسهل بينها وبين الحرف المجانس لحركة ما قبلها وهو الياء، وفي المكسورة بعد الضم نحو (سألوا) أنها تسهل كالواو أي تجعل بينها وبين الحرف المجانس لحركة ما قبلها، وهو الواو - من حكى ذلك فيها أعضل - أي جاء بمعضلة أي بأمر شاق ومشكل لا يمكن تحققه ولا النطق به، ولأنه لو سهلت الأولى بينها وبين الياء لكانت مكسورة، ولو سهلت الثانية بينها وبين الواو لكانت مضمومة، وكل منهما خطأ في اللغة، ولذلك لم يأخذ بهذا المحكي أحد من أئمة القراءة.


13 - ومستهزءون الحذف فيه ونحوه     وضم وكسر قبل قيل وأخملا



هذا بيان لبعض الكلمات المهموزة التي ليس لهمزتها صورة في خط المصحف، فيوقف عليها بحذف الهمزة على المذهب الذي يتبع في الوقف على الهمز رسم المصحف، فهذا من ما صدقات قوله (والحذف رسمه)، يعني: أن لفظ (مستهزءون) الحذف في همزه ثابت عن حمزة وكذا مثله من كل همزة مضمومة ليس لها صورة في خط المصحف قبلها كسرة وبعدها واو ساكنة ممدودة نحو: فمالئون ، متكئون ، الخاطئون ، ليواطئوا ، أنبئوني ، ويستنبئونك ، ليطفئوا . وقوله: (وضم) معطوف على (الحذف) يعني: وضم في الحرف الذي قبل الهمز لأن هذا الحرف بعد الحذف صار قبل واو ساكنة مدية، والواو الساكنة المدية لا يناسبها إلا ضم ما قبلها، فلذلك ضم هذا الحرف بعد حذف الهمزة ليناسب ما بعده من الواو الساكنة الممدودة نحو: (قاضون)، (الداعون)، وهكذا. وقوله (وكسر قبل قيل) يعني: أنه قيل بكسر هذا الحرف أي بإبقائه على الكسر بعد حذف الهمزة. وقد حكم الناظم على هذا القول بالسقوط فقال: (وأخملا)، فالألف للإطلاق، والخامل: الساقط الذي لا قيمة له، والضمير في (أخملا) يعود على هذا الوجه، وهو بقاء كسر الزاي بعد الحذف وليست الألف للتثنية إذ الوجه الأول صحيح سائغ لغة ثابت قراءة. وقرأ نافع مثله في والصابئون ، فالناظم لم يحكم بالإخمال إلا على هذا الوجه الذي هو كسر الزاي بعد الحذف، لأنه مخالف للغة ويتعذر النطق به، ولو أراد الناظم الحكم بالإخمال على الوجهين معا لقال: (قيلا وأخملا)، ولا يختل وزن البيت، فلما عدل عنه إلى (قيل) دل على أنه لم يرد إلا هذا الوجه، وهو إبقاء كسر [ ص: 122 ] الزاي بعد الحذف.


14 - وما فيه يلفى واسطا بزوائد     دخلن عليه فيه وجهان أعملا
15 - كما ها ويا واللام والبا ونحوها     ولامات تعريف لمن قد تأملا



الهمز الذي يكون في وسط الكلمة قسمان: قسم يكون في وسط الكلمة بحسب الحقيقة، والواقع، بأن يكون الحرف الذي قبل الهمز من بنية الكلمة، وأصلا من أصولها، بحيث لا ينفصل عنها أصلا نحو: (سأل)، (يئس)، (رؤوف). وتخفيف هذا القسم يكون وفق القواعد السابقة، وقسم يكون في وسط الكلمة لا من حيث الحقيقة بل يكون متوسطا بسبب دخول حرف من الحروف الزوائد عليه لا تختل الكلمة بحذفه نحو: (سأصرف)، (فإذا)، (سأريكم)، فالهمز في هذه الأمثلة ونحوها بحسب الحقيقة في أول الكلمة، ولكن لما دخلت عليه هذه الحروف صار في وسط الكلمة بسبب دخولها عليه، وهذا القسم هو موضع اختلاف النقلة والرواة عن حمزة، فمنهم من ذهب إلى تخفيفه بالتسهيل أو الإبدال حسب القواعد المذكورة باعتبار أنه في وسط الكلمة بحسب الصورة، والذاهبون إلى هذا يعتدون بهذه الحروف الزائدة لاتصالها بالهمز لفظا، وعدم صحة انفصالها عنه، فكأنها جزء من الكلمة التي فيها الهمز، وهذا مذهب الإمام فارس بن أحمد في آخرين، ومنهم من ذهب إلى تحقيق الهمز في هذا القسم باعتبار أنه في أول الكلمة حقيقة، وحمزة لا يخفف من الهمز إلا ما كان في وسط الكلمة أو آخرها، والذاهبون إلى هذا لا يعتبرون الحروف الزوائد، وإن اتصلت بالهمز لفظا، وهذا مذهب الإمام أبي الحسن طاهر بن غلبون وجماعة. وقولنا: (لا تختل الكلمة بحذفه) احتراز من حروف المضارعة نحو (يؤمن)، وميم اسم الفاعل نحو (المؤمن)، وميم اسم المفعول نحو (مأتيا)، واسم المكان نحو (مأمنه)، فليس في ذلك وأمثاله إلا تخفيف الهمز، لأن هذه الحروف وإن كانت زائدة لكن الكلمة تختل بحذفها، فصارت بمثابة الجزء من الكلمة. قال الإمام الجعبري: والظاهر أن (حينئذ، ويومئذ)، و(يابن أم) يتعين تخفيف الهمز فيه نظرا لقوة الامتزاج، وقد ذكر الناظم هذين [ ص: 123 ] المذهبين في قوله: (وما فيه يلفى) البيت، يعني: واللفظ الذي يوجد فيه الهمز واسطا أي متوسطا بسبب حروف زوائد دخلن عليه في همزه وجهان لحمزة عند الوقف التخفيف بالتسهيل، أو غيره باعتباره في وسط الكلمة، والتحقيق باعتباره أول الكلمة حقيقة. وقوله: (أعملا) بمعنى استعملا، والجملة صفة الوجهين، فالألف للتثنية. ثم بين الناظم الحروف الزوائد التي تدخل على الهمز فقال: (كما ها) إلخ، وما في قوله: (كما) زائدة، فمثال دخول (ها) وهي للتنبيه ها أنتم هؤلاء . ومثال (يا) وهي للنداء: يا آدم ، يا إبراهيم . ومثال اللام: (لأنتم)، (لئلا)، ومثال الباء: (بأنهم)، لبإمام . وقوله: (ونحوها) وهي الواو نحو: وأبقى ، وأمر . والفاء: فآمنوا ، (فإذا). والكاف نحو: كأنهم ، كألف سنة والسين: " سآوى " ، سأصرف . والهمزة نحو: أأنذرتهم ، أأنبئكم . ولامات التعريف نحو: (الأرض)، (الآخرة). فهذه الحروف كلها زوائد تجعل الهمز الذي في أول الكلمة متوسطا بسبب دخولها عليه، فيكون فيه وجهان: التحقيق، والتخفيف.

فائدتان: الأولى: لفظ هاؤم من قوله تعالى في سورة الحاقة: هاؤم اقرءوا كتابيه اسم فعل أمر بمعنى خذوا، وها فيه ليست للتنبيه بل هي جزء من الكلمة، فليست همزته من قبيل الهمز المتوسط بدخول حرف زائد عليه، فليس لحمزة فيه وقفا إلا التسهيل مع المد والقصر، فهو داخل في قوله السابق (سوى أنه من بعد ما ألف جرى) البيت.

الثانية: مما توسط فيه الهمز بزائد: وأمر ، فآتينا ، فأووا . ففي الوقف عليه لحمزة وجهان: الإبدال، والتحقيق. ومما ألحق بالمتوسط بزائد الذي اؤتمن ، يا صالح ائتنا ، إلى الهدى ائتنا ، لقاءنا ائت ، يقول ائذن ففي الوقف على كل من هذا: الإبدال، والتحقيق، لأن الكلمة التي قبل الهمزة قامت مقام الواو والفاء في وأمر ، فآتينا ، فأووا . واختار بعض العلماء في المواضع الخمسة التحقيق فقط لإمكان الوقف على الكلمة التي قبل الهمزة.


16 - وأشمم ورم فيما سوى متبدل     بها حرف مد واعرف الباب محفلا



الواو في (ورم) بمعنى: أو. والأمر في (أشمم) ورم للتخيير. فالقارئ مخير بين الإتيان بالإشمام فيما يجوز فيه الإشمام وهو المضموم والمرفوع، أو الروم فيما يجوز فيه وهو [ ص: 124 ] المضموم والمرفوع والمكسور والمجرور، وبين تركهما، (وما) في قوله: (فيما) يصح أن تكون موصولة، ويصح أن تكون نكرة موصوفة. و(سوى) بمعنى غير، والتقدير: وأشمم ورم في الهمز الذي غير متبدل، أو في همز غير متبدل. و(متبدل) اسم فاعل من بدل، والباء في (بها) بمعنى في، وضميره يعود على أطراف الكلمات، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من (ما)، و(حرف) مفعول (متبدل) أي: وأشمم ورم في الهمز الذي أو في همز غير متبدل حرف مد حال كون هذا الهمز في أطراف الكلمات.

ومعنى البيت: وأشمم أو روم في الهمز المتطرف المتحرك المسكن للوقف المخفف بأنواع التخفيف المتقدمة إلا ما خفف بإبداله حرف مد، فلا يجوز دخول الإشمام ولا الروم فيه إن كان مرفوعا، ولا يجوز دخول الروم فيه إن كان مجرورا. والناظم لم يقيد مواضع الإشمام والروم اعتمادا على شهرتهما عند القراء، وتوضيح هذا: أننا عرفنا مما سبق من القواعد أن الهمز المتطرف المتحرك المسكن للوقف تارة يقع بعد حرف متحرك، سواء كان هذا الحرف متحركا بالفتحة نحو: (أنشأ)، أو بالكسرة نحو: (ينشئ)، أو بالضمة نحو: (ولؤلؤ)، وتارة يقع بعد ألف نحو: (جاء)، (من السماء)، (يشاء).

وتارة يقع بعد حرف ساكن غير الألف سواء كان هذا الحرف الساكن صحيحا نحو: (ملء)، (دفء)، (المرء). أو كان حرف لين واوا نحو: (السوء)، أو ياء نحو: (شيء). أو كان حرف مد ولين واوا نحو: (لتنوء). أو ياء نحو: (سيء). أو كان هذا الحرف الساكن واوا زائدة وذلك في: (قروء)، أو ياء زائدة نحو: (النسيء). وعرفنا مما تقدم أيضا حكمه في جميع هذه الأحوال: وهو أنه إذا وقع بعد حرف متحرك أبدل حرف مد من جنس حركة ما قبله. وإذا وقع بعد ألف أبدل ألفا.

وإذا وقع بعد حرف ساكن سواء كان صحيحا أو حرف لين أو حرف مد ولين: نقلت حركته إلى ما قبله ثم حذف. وإذا وقع بعد واو زائدة أبدل واوا ثم أدغمت الواو قبله فيه.

وإذا وقع بعد ياء زائدة أبدل ياء ثم أدغمت الياء قبله فيه. هذه أحوال الهمز المتطرف المتحرك الذي يسكن للوقف وتلك أحكامه.

ثم أراد الناظم أن يبين لنا ما يجوز دخول الإشمام والروم فيه من هذه الأحوال، وما لا يجوز، فذكر هذا البيت. وقد أفاد هذا البيت: أنه يجوز دخول الإشمام والروم في هذا الهمز في جميع أحواله إلا في حال إبداله حرف مد، فإذا أبدل حرف مد بأن وقع بعد حرف متحرك أو بعد [ ص: 125 ] ألف، فيمتنع دخول الإشمام والروم فيه. فحينئذ يجوز دخول الإشمام والروم فيه في حال نقل حركته إلى ما قبله، وذلك إذا وقع بعد حرف ساكن، سواء كان هذا الساكن صحيحا أم حرف لين أم حرف مد ولين. وفي حال إبداله واوا وذلك إذا وقع بعد واو زائدة، وحال إبداله ياء، وذلك إذا وقع بعد ياء زائدة. وقد تقدمت الأمثلة لجميع الأحوال. وقوله:

(واعرف الباب محفلا) محفل القوم مكان اجتماعهم، يعني واعرف باب وقف حمزة وهشام على الهمز حال كون هذا الباب موضعا لجميع أنواع الهمز المخفف.


17 - وما واو اصلي تسكن قبله     أو اليا فعن بعض بالادغام حملا



سبق أن الواو والياء الساكنتين الواقعتين قبل الهمز المتحرك نوعان: أصليتان، وزائدتان، وسبق أن حكم الهمز بعد الأصليتين: نقل حركته إليهما، ثم حذفه، وأن حكمه بعد الزائدتين: إبداله حرفا من جنس ما قبله واوا أو ياء مع إدغام ما قبله فيه. وقد ذكر في هذا البيت أن بعض أهل الأداء أجرى الواو والياء الأصليتين الساكنتين مجرى الواو والياء الزائدتين الساكنتين، فأبدل الهمز الواقع بعد الواو الأصلية واوا، وأدغم الواو الأصلية في الواو المبدلة من الهمز، وأبدل الهمز الواقع بعد الياء الأصلية ياء، وأدغم الياء الأصلية في الياء المبدلة من الهمز، سواء كانت الواو والياء الأصليتان مديتين أم لينتين. وسواء كان الهمز متوسطا أم متطرفا نحو: (السوأى)، (سيئت)، (سوأة)، (كهيئة)، (لتنوء)، (سيء)، (ظن السوء)، (شيء)، وعلى هذا يكون في الهمز الواقع بعد الواو الساكنة الأصلية والياء الساكنة الأصلية وجهان: الأول: نقل حركته إلى ما قبله من الواو أو الياء ثم حذفه. الثاني: إبداله من جنس ما قبله وإدغام ما قبله فيه.


18 - وما قبله التحريك أو ألف محر     ركا طرفا فالبعض بالروم سهلا



و(ما) اسم موصول مبتدأ، والمراد به الهمز. و(قبله التحريك) جملة وقعت صلة الموصول، (أو ألف)، عطف على التحريك. و(محركا طرفا) حالان من الهاء في (قبله) العائدة على (ما)، [ ص: 126 ] (فالبعض) مبتدأ، والجملة (سهلا) خبره، والجملة خبر الموصول. ودخلت الفاء في خبره لشبهه بالشرط في العموم، ومفعول (سهلا) محذوف تقديره: سهله، أي الهمز، والباء في (بالروم) للملابسة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل (سهلا) وهو الضمير المستتر الراجع إلى البعض أو من المفعول المحذوف، وتقدير البيت: والهمز الذي وقع قبله التحريك أو وقع قبله ألف حال كون هذا الهمز محركا واقعا في طرف الكلمة، فبعض أهل الأداء سهله حال كون هذا البعض متلبسا بالروم أي: آتيا به محققا له. أو حال كون هذا الهمز متلبسا بالروم مصاحبا له.

تقدم أن الهمز المتطرف المتحرك المسكن عند الوقف إذا وقع بعد حرف متحرك فإنه يبدل حرف مد من جنس حركة ما قبله، فيبدل ألفا بعد الفتح، وياء بعد الكسر، وواوا بعد الضم. وهذا الحكم مأخوذ من قوله السابق (فأبدله عنه حرف مد مسكنا) البيت. وإذا وقع بعد ألف فإنه يبدل ألفا. وهذا الحكم مأخوذ من قوله: (ويبدله مهما تطرف مثله). وقد سبق شرح هذا كله مستوفى في موضعه. وقد دل هذا البيت على أن في هذا الهمز وجها آخر، وهو أن بعض أهل الأداء سهله بالروم، وإنما اشترط في التسهيل أن يكون مصاحبا للروم، لأن الوقف بالتسهيل وحده يفضي إلى الوقف بالحركة الكاملة، والوقف بالحركة الكاملة لا تسيغه قواعد القراءة، فالوقف بالتسهيل وحده لا تسيغه قواعد القراءة، إذا لا بد أن يكون التسهيل مصاحبا للروم. ولا يجوز هذا الوجه وهو التسهيل بالروم إلا إذا كان هذا الهمز محلا للروم بأن يكون مرفوعا أو مجرورا، فإن لم يكن محلا للروم بأن كان منصوبا فلا يجوز فيه هذا الوجه بل يتعين فيه الإبدال. والناظم لم يقيده بهذا استنادا لما هو معلوم من مذاهب القراء: أن الروم لا يدخل المنصوب كما لم يقيده في قوله: (وأشمم ورم فيما سوى متبدل) البيت، (وأشمم ورم في غير باء) البيت، استنادا لما ذكر.

وخلاصة القول: أن في هذا النوع من الهمز عند الوقف عليه لحمزة وهشام وجهين:

الأول: الإبدال حرف مد ألفا، أو ياء، أو واوا فيما قبله حرف متحرك. والإبدال ألفا فيما قبله ألف.

الثاني: التسهيل بين بين بالروم فيهما، ولا تنافي بين هذا البيت وبين قوله في البيت السابق: (وأشمم ورم) البيت، فإن ذلك البيت: (وأشمم ورم). دل على منع دخول الروم والإشمام في هذا الهمز في حال إبداله حرف مد. وهذا [ ص: 127 ] لا ينافي جواز دخول الروم فيه في حال تسهيله بين بين. وهذا ما دل عليه قوله: (وما قبله التحريك) البيت.


19 - ومن لم يرم واعتد محضا سكونه     وألحق مفتوحا فقد شذ موغلا



لما ذكر في البيت السابق أن مذهب بعض أهل الأداء عن حمزة تسهيل الهمز المتطرف المتحرك المسكن للوقف الواقع بعد حرف متحرك، أو بعد ألف. وقد ذكرنا في شرح ذلك البيت أن هذا مقيد بما يصح أن يكون محلا للروم وهو المجرور والمرفوع، ذكر في هذا البيت مذهبين آخرين:

المذهب الأول: الاقتصار على الإبدال، وعدم جواز التسهيل مع الروم. سواء كان الهمز مضموما، أم مكسورا أم مفتوحا. وعلل ذلك بأن الهمزة إذا سهلت بين بين، سواء كانت مضمومة، أم مكسورة، أم مفتوحة، قربت من الساكن فيكون حكمها حكم الساكن، فيمتنع التسهيل بالروم فيها كما يمتنع في الساكن.

المذهب الثاني: جواز التسهيل مع الروم سواء كان الهمز مضموما أم مكسورا أم مفتوحا، وعلل ذلك بأن الهمزة المسهلة بين بين وإن قربت من الساكن لما دخلها من الضعف فإنها بزنة الهمزة المتحركة بدليل قيامها مقام الهمزة المتحركة في الشعر، وإذا كانت بزنة المتحركة فإنه يجوز رومها في الحركات الثلاث. واعتذر عن روم المفتوح بأنه دعت الحاجة إليه عند التسهيل مع جوازه في العربية. وقد أشار الناظم إلى المذهب الأول بقوله (ومن لم يرم واعتد محضا سكونه) يعني: ومن لم يرم مطلقا في الحركات الثلاث.

واعتبر سكون الهمز محضا فألحقه بالساكن الأصلي، وأعطاه حكمه من منع تسهيله مع الروم. وعلى هذا يكون قوله: (واعتد) بمعنى: واعتبر، وهو ينصب مفعولين الأول (سكونه)، والثاني (محضا). فقدم الناظم وأخر وأشار إلى المذهب الثاني بقوله: (وألحق مفتوحا)، وفيه حذف. والتقدير: ومن ألحق مفتوحا، يعني: ومن ألحق المفتوح بالمكسور والمضموم في جواز تسهيله مع الروم. وقوله (فقد شذ) إشارة إلى إبطال المذهبين معا، أي من يقل بهذا المذهب الأول أو بهذا المذهب الثاني فقد شذ حال كونه موغلا في الشذوذ. [ ص: 128 ] والإيغال الإبعاد في السير والإمعان فيه.

والحاصل: أن في الهمز المتحرك المتطرف الساكن للوقف غير وجه الإبدال ثلاثة مذاهب:

الأول: تسهيله مع الروم في المضموم والمكسور دون المفتوح.

الثاني: منع التسهيل فيه مع الروم مطلقا والاقتصار على وجه الإبدال.

الثالث: جواز تسهيله مع الروم مطلقا.

والمذهب الأول هو المختار، ولهذا قدمه في الذكر.


20 - وفي الهمز أنحاء وعند نحاته     يضيء سناه كلما اسود أليلا



(الأنحاء) جمع نحو، ومن معانيه الطريق، ونحاة جمع ناح بمعنى نحوي كتامر ولابن، والضمير في (نحاته وسناه) للهمز. و(السنا) بالقصر النور، وبالمد الرفعة.

و(أليلا) منصوب على الحال من فاعل اسود، ويقال: ليل أليل، إذا كان شديد الظلمة.

يعني: روي في تخفيف الهمز طرق متعددة، ومذاهب متنوعة. وقد ذكر الناظم أشهرها نقلا، وأقواها قياسا، وعند علماء النحو، والمراد بهم الصرفيون، تتضح معالم هذا الهمز وتنجلي مسالكه، وتتبين سبله، لأنهم الذين ذللوا صعابه، ومهدوا طرائقه، وأتقنوا أحكامه، واستوعبوا أنواعه، وضبطوا قوانينه. وكلما ظهرت فيه مشكلات عند غيرهم، فكانت في شدة غموضها كالليل الأسود شديد الظلمة، كانت عندهم في وضوحها وبهائها كالشمس المشرقة في رابعة النهار. فالناظم رضي الله عنه استعار الإضاءة للوضوح والاسوداد للغموض.

التالي السابق


الخدمات العلمية