الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الخامس عشر : فيما تتوقف عليه الأحكام ، وهو ثلاثة : السبب ، والشرط ، وانتفاء المانع ، فإن الله تعالى شرع الأحكام ، وشرع لها أسبابا ، وشروطا ، وموانع .

                                                                                                                وورد خطابه على قسمين :

                                                                                                                خطاب تكليف يشترط فيه علم المكلف وقدرته ، وغير ذلك كالعبادات ، وخطاب وضع لا يشترط فيه شيء من ذلك ، وهو الخطاب بكثير من الأسباب والشروط والموانع ، وليس ذلك عاما فيها ، فلذلك توجب الضمان على المجانين والغافلين بسبب الإتلاف لكونه من باب الوضع الذي معناه أن الله تعالى قال : إذا وقع هذا في الوجود ، فاعلموا أني حكمت بكذا ، ومن ذلك الطلاق بالإضرار والإعسار ، والتوريث بالأنساب ، وقد يشترط في السبب العلم كإيجاب الزنا للحد ، والقتل للقصاص .

                                                                                                                إذا تقرر هذا فنقول :

                                                                                                                السبب ما يلزم من وجوده الوجود ، ومن عدمه العدم لذاته ، فالأول احتراز من الشرط ، والثاني احتراز من المانع ، والثالث احتراز من مقارنته فقدان الشرط ، أو وجود المانع ، فلا يلزم من وجوده الوجود ، أو إخلافه بسبب آخر ، فلا يلزم من عدمه العدم .

                                                                                                                والشرط : ما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده الوجود ، ولا العدم لذاته ، فالأول احتراز من المانع ، والثاني احتراز من السبب والمانع أيضا ، والثالث احتراز من مقارنته لوجود السبب ، فيلزم الوجود عند وجوده أو قيام المانع ، فيقارن العدم .

                                                                                                                والمانع : ما يلزم من وجوده العدم ، ولا يلزم من عدمه وجود ، ولا عدم لذاته ، فالأول احتراز من السبب ، والثاني احتراز من الشرط ، والثالث احتراز من [ ص: 70 ] مقارنة عدمه لوجود السبب ، فالمعتبر من المانع وجوده ، ومن الشرط عدمه ، ومن السبب وجوده وعدمه .

                                                                                                                ( فوائد خمس

                                                                                                                الأولى : الشرط وجزء العلة كلاهما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم ، فهما يلتبسان ، والفرق بينهما أن جزء العلة مناسب في ذاته ، والشرط مناسب في غيره كجزء النصاب ، فإنه مشتمل على بعض الغنى في ذاته ، ودوران الحول ليس فيه شيء من الغنى ، وإنما هو مكمل للغني الكائن في النصاب .

                                                                                                                الثانية : إذا اجتمعت أجزاء العلة ترتب الحكم ، وإذا اجتمعت العلل المستقلة ترتب الحكم أيضا ، فما الفرق بين الوصف الذي هو جزء علة ، وبين الوصف الذي هو علة مستقلة ؟ والفرق بينهما أن جزء العلة إذا انفرد لا يثبت معه الحكم كأحد أوصاف القتل العمد والعدوان ، فإن المجموع يسبب القصاص ، وإذا انفرد جزؤه لا يترتب عليه قصاص ، والوصف الذي هو علة مستقلة إذا اجتمع مع غيره ترتب الحكم ، وإذا انفرد ترتب معه الحكم أيضا كإيجاب الوضوء على من لامس ، وبال ، ونام ، وإذا انفرد أحدهما وجب الوضوء أيضا .

                                                                                                                الثالثة : الحكم كما يتوقف على وجود سببه يتوقف على وجود شرطه ، فبم يعلم كل واحد منهما يعلم بأن السبب مناسب في ذاته ، والشرط مناسب في غيره كالنصاب مشتمل على الغنى في ذاته ، والحول مكمل لحكمة الغنى في النصاب بالتمكن من التنمية .

                                                                                                                الرابعة : الموانع الشرعية على ثلاثة أقسام منها ما يمنع ابتداء الحكم ، واستمراره ، ومنها ما يمنع ابتداء فقط ، ومنها ما اختلف فيه هل يلحق بالأول ، أو بالثاني ، فالأول كالرضاع يمنع ابتداء النكاح واستمراره إذا طرأ عليه ، والثاني [ ص: 71 ] كالاستبراء يمنع ابتداء النكاح ولا يبطل استمراره إذا طرأ عليه ، والثالث كالإحرام بالنسبة إلى وضع اليد على الصيد ، فإنه يمنع من وضع اليد على الصيد ابتداء ، فإن طرأ على الصيد فهل تجب إزالة اليد عنه ؟ خلاف بين العلماء ، وكالطول يمنع من نكاح الأمة ابتداء ، فإن طرأ عليه ، فهل يبطله ؟ فيه خلاف ، وكوجود الماء يمنع التيمم ابتداء ، فلو طرأ بعده ، فهل يبطله ؟ فيه خلاف .

                                                                                                                الخامسة : الشروط اللغوية أسباب ، لأنه يلزم من وجودها الوجود ، ومن عدمها العدم بخلاف الشروط العقلية كالحياة مع العلم ، والشرعية كالطهارة مع الصلاة ، والعادية كالغذاء مع الحياة في بعض الحيوان .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية